بعثنا لجنة مستقلة لتقصّي الملابسات --- أعلنت وزارة الفلاحة في ساعة متأخرة من مساء أول أمس عن إحداث لجنة تتولى التحقيق المعمق في ظروف وأسباب الإخلالات الحاصلة على مستوى تزويد المواطنين بالماء الصالح للشراب والإضطرابات المسجلة في هذا الإطار بعديد المناطق تزامنا مع موجة الحرارة المرتفعة. ولمزيد التعمق في المهام الموكولة لهذه اللجنة والبحث في الأسباب التي أملت بعثها سيما أنها تأتي إثر احتداد إحتجاجات المواطنين في عديد المناطق جراء الإنقطاعات المطولة للمياه وتوجيه إصبع الإتهام إلى الشركة الوطنية لتوزيع المياه وعدم تحسبها المسبق لهذه الوضعيات اتصلت "الصباح" هاتفيا بكاتب الدولة للفلاحة الذي كان في زيارة عمل ومعاينة ميدانية لمراكز تجميع الحبوب في عدد من ولايات الجمهورية أمس. وقد أوضح السيد الحبيب الجملي أن المبادرة ببعث اللجنة صدرت عن الوزارة ذاتها ولم تكن إضطرارا ولم يطالب بها أحد نسجا على منوال لجنة سابقة تكونت للتحقيق وتقييم أداء الهياكل المسؤولة على التصرف في السدود أثناء فيضانات الشتاء المنقضي تأسيسا لآليات التقصي في المسائل الطارئة التي تجد وإضفاء مزيد من الشفافية على التعاطي معها. من هذا المنطلق وقصد التوقف عند أي خلل خفي والسعي لتحديده قد يكون سجل في خضم أزمة المياه الأخيرة يندرج تكوين اللجنة التي لن يقتصر دورها على تشخيص الإشكاليات والإخلالات وإطلاع الرأي العام عليها بل وكذلك العمل على توظيفها كمنطلق ومعطى إضافي لتحسين تقدير الحلول العاجلة والآجلة في إدارة المياه .وضمانا لحيادية أعمالها تم إسناد رئاستها إلى خبير في المياه متقاعد من الكفاءات البارزة في المجال.وهو السيد المكي حمزة كان الذي يشغل رئيسا مديرا عاما للإدارة العامة للموارد المائية سابقا وقد منحت له كل الصلاحيات للإطلاع على كل المعطيات والوثائق والتقارير لتيسير مهمته. وحول ملابسات إحتداد أزمة مياه الشرب الراهنة والعوامل المتسببة فيها التي قد تكون خفية على المواطن أشار الحبيب الجملي إلى أنها متعددة منها القديم الذي يعود إلى مخلفات النظام السابق ومنها المترتب عن مستجدات أوضاع ما بعد الثورة. وبين هذا وذلك تبقى حقيقة التحديات الكبرى التي تفرضها ندرة المياه على بلادنا مستقبلا والتي يتعين التحوط لها والإستعداد لمجابهتها بإحكام التصرف في الموارد الموجودة. و لئن تعتبر المخزونات من المياه المتوفرة حاليا قادرة على تلبية الإستهلاك البشري ولو على حساب الري فقد أبرز محدثنا أنه رغم التحذيرات الصادرة من المنظمات الأممية منذ سنوات والداعية إلى وجوب الإحتياط للتحديات القادمة في مجال التزويد بالمياه ومنها ضرورة تطوير البنية الأساسية والمنشآت المائية لمجابهة الطلبات المتزايدة وأنجزت دراسات في الغرض أقرت جملة من التدابير منذ نحو العشر سنوات لكنها لم تنفذ. وتخص أبرز هذه الإحداثات في إنجاز خزانات إضافية في السعيدية وفي القلعة الكبرى تتسع كل منها إلى 35مليون مترمكعب. "لو تم إنجازها لما كنا عشنا الأزمة الحالية "يقول ذات المصدر. مضيفا أن الإضطرابات التي عاشتها صفاقس ومدن الجنوب هذه الفترة كان يمكن تفاديها لو تم إنشاء قناة ثانية تربط الخزانين الإضافيين ببعضهما ليصل مخزونهما من المياه الصالحة للشرب إلى صفاقس. ضغط شعبي على الطلب إلى جانب هذا العامل يرى الحبيب الجملي أن تزايد الطلب على استهلاك المياه هذه الصائفة بحكم الحرارة المرتفعة وتواجد نحونصف مليون ليبي مقيم بتونس وتحسن القطاع السياحي من حيث إقبال الوافدين على النزل كلها عوامل ساهمت في الضغط على الطلب. ولم تفت المتحدث الإشارة إلى سبب أخر كان له الوقع المباشر في رأيه على الإضطرابات الحاصلة في بعض المناطق يتمثل في تحويل وجهة التزويد المبرمج لجهات محددة وفق دراسات منجزة إلى مناطق أخرى لم تكن معنية بها وذلك تحت الضغط الشعبي لإيصال الماء إليها ودون أن يكون ذلك في الحسبان . وهو ما أدى إلى تحويل جزء من منسوب المياه إلى غير أهدافها الأصلية ما خلق ضغطا على التزويد. هكذا إذن شخّص مصدرنا الأسباب العامة للأزمة الراهنة في قطاع المياه أملا أن يتفهم التونسي هذه الوضعيات قائلا ربما لم يقع إتخاذ إحتياطات كافية في بداية موسم ذروة الإستهلاك،لكن لا ينبغي أن نعطي للأزمة بعدا آخرا وتحميل الوضعية أكثر مما تتحمل. ... وماذا عن الحلول العاجلة؟ ردا على هذا السؤال وعن مدى توقعاته بإنفراج قريب يقطع مع إنقطاعات الماء عن المواطنين؟ أوضح الجملي أنه يصعب الجزم بحل عاجل يقضي كليا على إشكالية ضغط التزويد لكنه أبدى حرصا كبيرا على السعي إلى التخفيف أقصى ما يمكن من الأزمة والحد من إضطرابات التزويد .والعمل بداية من هذه الصائفة لإيجاد حلول على المدى القصير في ظرف سنتين من خلال ربط بعض الآبار العميقة بالخط الرئيسي للشبكة قصد تقوية الضخ نحو عدد من المناطق. إلى جانب التسريع بإنجاز المشاريع النائمة الموروثة عن النظام البائد والعمل على تحيينها وفق المستجدات الحالية وقد تم عرضها على التمويل العالمي بالنظرإلى كلفتها الباهظة. كما تمثل برامج تحلية مياه البحر إحدى الآليات الكفيلة بمجابهة طفرة الطلب المستقبلي وستكون البداية بإنشاء محطة تحلية مياه البحر بجربة بالتوازي مع برمجة أربع محطات مماثلة بكل من صفاقس وقرقنة وجرجيس...