سيدي الرئيس، سمعت كلمتك التي توجهت بها إلى الشعب التونسي يوم الجمعة 6/7/2012 و أعدت الاستماع إليها مرارا و تكرارا. و لئن قال كاتبنا العربي الكبير الكلام على الكلام صعب فأنا لم أشعر بذلك حينما عزمت على استقراء ما جاء في كلمتك. وحتى نضع الأمور في إطارها فإن كلمتك جاءت إثر تتالي الأحداث على الساحة السياسية ببلادنا و أعني ما اتخذته الحكومة المؤقتة من قرارات ارتجالية تهم الشأن الداخلي و الخارجي لتونس و ما استتبعه ذلك من ردود فعل كانت جلّها، سواء من قبل الشعب الكريم أو المعارضة أو المستقلين أو أطياف المجتمع المدني، غير راضية على أداء الحكومة وأقرت بأنه لم يعد يساور أحدا الشك و لو بنسبة 1% بأن الأزمة اتسعت رقعتها و استفحلت بين الأطراف الحزبية الثلاثة الترويكا أو بتعبير آخر بين الطرفين الصوريين في الحكم و أخذ القرار و الطرف الناطق الحاكم. كان المتتبع للشأن السياسي بالبلاد ينتظر من كلمتك - بعد صمتك أكثر من أسبوع و هناك من يقول بأنك اتخذت مكانا قصيا - أن تضع الأمور في نصابها و أن تقول كلمة تنوب فيها التونسيين فيما أرادوا قوله إثر ما أقدمت عليه الحكومة المؤقتة من تجاوزات تعدت بها على حرمة شعب مازال يعيش الفرحة بثورته و استباحت حقوقه و استنقصت من قيمته و اعتبرته ماشية تعلف في زريبة السلطان و لسان حالها يقول له لم يتغير شيء، لا تحلم كثيرا، قدرك أن تعيش تحت سلطة الرأي الواحد و الحزب الواحد و نحن خير خلف لخير سلف في عبادة الكرسي و التّغوّل في السلطة. سيدي الرئيس، أولا، تونس طعنت فجر يوم الأحد 24/6/2012 إثر تسليم البغدادي المحمودي الوزير الأول في عهد معمر القذافي بقرار رئيس الحكومة مستخفا بإرادة الشعب و بالمجتمع المدني و المنظمات الحقوقية في الداخل و الخارج. سيدي الرئيس، ثانيا، سلطة الإشراف بوزارة الخارجية تعلن إلغاء جواز السفر بين تونس و البلدان المغاربية دون أن تعلم وزير الخارجية على حد قوله و دون أن يطرح الموضوع لا من قريب و لا من بعيد في المجلس التأسيسي و كأن الأمر عند السيد كاتب الدولة للخارجية بمثابة السماح لجاره أن يبني أو يفعل ما يريد دون استخراج رخصة أو احترام الأمتار القانونية، قرارات دون مستوى المسؤولية وحرمة البلد وهيبة مؤسسات الدولة (دياري يا عوالي). سيدي الرئيس، ثالثا، سياسة المكيالين تكرس بين الأمناء العامين للأحزاب السياسية فهم ليسوا سواسية كأسنان المشط عند الحكومة و عند معالي سيادة وزير الخارجية و إنما عنده الأقربون أولى بالمعروف. وبذلك يكون لراشد الغنوشي وحده الأحقية في التمتع بجواز سفر دبلوماسي بقرار زيتنا في دقيقنا في غفلة من الشعب ومن المجلس التأسيسي. و لقد قدر أن يفضح الأمر لأنه إن كان للحب رائحة كما قال نزار قباني فللمحسوبية روائح . ردّك سيدي الرئيس على هذه التجاوزات في كلمتك كان يجب أن يكون ترجمة عن موقف الشعب فأنت نائبه و المعبر عن إرادته مؤقتا. لكنك تركت كل من كانوا ينتظرون منك الدفاع عن حقهم و الانتصار لمكانتهم، أبناء الشعب بجميع تلويناته الفكرية والسياسية، في تسلل فظيع لا يحتاج معه الحكم لإعادة الصورة بالطريقة البطيئة حتى يتثبت من صحته. لقد خرجت علينا منكسرا وكأنك المقترف للتجاوزات أو كأننا نحن أصحاب الذنب و لسنا أصحاب الحق فكنت الوديع، المسالم، الرؤوف و الحليم بالحكومة وبكل من أخطأ و كأنك تقول لهم: «اذهبوا و صولوا وجولوا وقرروا فأنتم الطلقاء وما اختلافنا إلا رحمة ومؤشرا إيحابيا يدل على صلابة عود حكومتنا و إن لم تعتذروا فأنا أعتذر لكم و السلام عليكم يوم استوزرتم و يوم قرّرتم و يوم تدفعون بالبلاد إلى...». سيدي الرئيس، لقد كان ولا يزال من حقك أن تكون على هذه الصورة و أن تتحلى بهذه الأريحية تجاه الحكومة لو كانت هذه الأخيرة تجاوزت حقوقك الشخصية كالاعتداء على أموالك أو التدخل في شؤونك الخاصة ولكن يبدو جليا أنك نسيت و بمرور الأيام أنك في قصر الشعب ولست في قصرك الخاص وحلاوة الكرسي تدغدغك و تعدك... كلمتك سيدي الرئيس حملت رسالتين. الأولى إلى كل من توهّم أنك ستثأر له و تقتص حقه قائلا له: «إخطاوني» و الثانية إلى الحكومة لعلك استلهمتها من الأغنية الشهيرة «مهما الأيام تعمل فينا ما نتخلاش عن بعضينا لي القصر و لكم البلاد بطولها و عرضها و شمالها وجنوبها».