يتجدد من حين لآخر الهجوم على الصحافة التونسية من قبل بعض المسؤولين في الحكومة أو حركة النهضة، واتهامها بعدم الموضوعية، أو معاداة السلطة القادمة أو تضخيم بعض الأحداث عن سوء نية، إلى غير ذلك من الاتهامات المماثلة. والأمر يحتوي على مغالطة كبيرة، إذ أن المهاجمين يضعون الصحافة التونسية في خانة واحدة، وكأنها وحدة متجانسة متكاملة تتكلم بصوت واحد وتتمركز في خندق واحد، بينما واقع الحال مختلف تماما. فهناك أنواع مختلفة من الصحافة التونسية وتوجهات عدة ومدارس متعددة ومصالح متنافرة متعارضة وحتى متصارعة وتصنيفات ذات مستويات عدة. فهناك الصحافة الجدية، والصحافة الصفراء أو صحافة المجاري التي تعتمد على الإثارة الرخيصة واستبلاه قارئها. وهناك الصحافة التجارية البحتة التي تمد يدها لكل من هب ودب والمستعدة لبيع نفسها لمن يدفع أكثر حتى للمشعوذين والعرافين والمتحيلين مساهمة وإلى اليوم بعد الثورة في تجهيل الشعب ونشر الخرافة والدجل في المجتمع وهناك الصحافة التي تحاول التحلي بقدر أدنى من الحرفية والمهنية وأن تحترم ميثاق شرف المهنة. وعلى مستوى آخر هناك صحافة ما قبل 14 جانفي وصحافة ما بعد 14 جانفي، الأولى خلق جزءا هاما منها النظام البائد ومولها بأموال المجموعة لتؤدي مهام معينة بعيدة كل البعد عن المجال الصحفي ولتلعب أدوارا مشبوهة وقد اختفى جزء هام منها إثر الثورة، وبقي جزء يدين بالولاء لصانع نعمته ومولاه ويحن إلى عهده وبالتالي فهو يخضع لأجندات معينة، أما صحافة ما بعد 14 جانفي فكما أنها تضم تجارب جدية محترمة تسعى للنهوض بواقع صحافتنا إلا أن قسما لا يستهان به منها قد يكون الأغلب تشتم منه رائحة المال المشبوه للعصابات ال «بنعلية» و«الطرابلسية» والمافيات المرتبطة بها. إنه لقوس قزح من الألوان الصحفية، وحتى «اللاصحفية» المختلفة ومن المواقع والأهداف المتباينة تكاد لا توجد بينها أي رابطة ووضعها جميعا في سلة واحدة مغالطة لا بد من فضحها واتهامها دون أي تمييز فيه تجن لا بد من رفعه. وقد يكون هذا اللبس هو ما يفسر تعثر عملية الإصلاح وتصور الحلول للنهوض بصحافتنا و»تأهيلها» لتكون في مستوى اللحظة الثورية التي نعيشها، ويفسر أيضا التمشي الخاطئ للاستشارة الوطنية حول إصلاح الإعلام التي تبنتها الوزارة الأولى واعترفت هي نفسها بفشلها. إن إصلاح الإعلام، يتطلب توضيح بعض المفاهيم وخصوصا تحديد المنطلقات والآليات كما لا بد من الوعي بأن هناك وضعية استعجالية وأن الفوضى الحالية ليست في صالح الثورة ولا الحكومة ولا المعارضة ولا الصحفيين أنفسهم.