استجابة لدعوة المجلس الوطني التأسيسي جلس مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي التونسي مساء أمس أمام النواب لتقديم بعض الايضاحات والرد على المبررات التي قدمتها الحكومة المؤقتة لإقالته، وأكد ان أسباب الاقالة سياسية، وأن المبررات واهية أو خاطئة أو بعيدة عن الواقع أو مجانبة له وهي مأخوذة من مصادر غير جدّية ومرجعها الصحافة الصفراء.. و بين انه لو كان جزء من هذه المبررات له أساس من الصحة لقدم استقالته منذ أمد بعيد. و قال النابلي خلال هذا اللقاء الذي سجّل فيه تشنج عدد من نواب المعارضة من الكتلة الدمقراطية بلغ حد الصراخ والتلاسن العلني لنواب المؤتمر من أجل الجمهورية:»انني لست أمامكم لأدافع عن المنصب أو الكرسي، ولست في محاكمة كما لم أحظر لأدافع عن نفسي بل لتقديم البيانات والحقائق للمجلس ولأدافع عن مؤسسة عتيدة وحساسة». و بين أن الحديث عن مبالغة في التأكيد على استقلالية البنك، ينم عن نية مبيتة لضرب هذه الاستقلالية التي هي أساسا حماية للمؤسسة من التجاذبات السياسية. واعتبر النابلي ان قرار الاقالة الذي قدّم للمجلس التأسيسي يتضارب مع معنى وروح ما اقره هذا المجلس في القانون المنظم للسلط الذي اكد على استقلالية البنك. علاقة وديّة و ردا على مبررات الاقالة التي قدمها رضا السعيدي الوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية ليلة أمس الأول للمجلس، قال النابلي إن الوزير تحدث عن فتور العلاقة بين السلطة التنفيذية ومحافظ البنك المركزي وتوترها، لكن الحكومة لم تعبر في أي وقت من الأوقات وبأية وسيلة من الوسائل عن عدم موافقتها او تحفظها عن السياسة النقدية او عدم التنسيق بين الحكومة والبنك في أي جانب من الجوانب.. وشارك البنك بصفة منتظمة في كل الاجتماعات الوزارية الخاصة بالجانب الاقتصادي والمالي وكان التعامل عاديا ومازالت العلاقة مع رئيس الحكومة ودية ومهنية ولا يشوبها فتور، وان كانت هناك مصادر للتوتر فتعود لتأكيد البنك المركزي على الاستقلالية.. و استغرب النابلي اعتبار البيانات الشهرية لمجلس ادارة البنك المركزي التي تحتوي على تقييم للوضع الاقتصادي مصدرا لزعزعة الثقة في الاقتصاد، وبين ان هذا المبرر يظهر ان ما تريده الحكومة هو مؤسسة للبنك المركزي تسوّق نفس خطابها وليس مؤسسة تقدم مقترحات وتشخيصا حقيقيا قد يختلف مع ما تريد هي تسويقه. إشادة و بشأن مسؤولية البنك المركزي في التخفيض في الترقيم السيادي لتونس بين المحافظ أن هذا الأمر غير صحيح وتحميل البنك المسؤولية هو اخفاء لمسؤولية الحكومة في هذا المجال وفسر أن السبب يرجع لعدم تقديم اعضاء الحكومة الذين قابلتهم البعثة المكلفة بإعداد التقرير لما هو مقنع في هذا المجال كما ان أعضاء البعثة لم يتمكنوا من اجراء بعض المقابلات المبرمجة مع الحكومة.. كما نفى النابلي ما ذهب اليه ممثل الحكومة من حديث عن تدهور العملة الصعبة وانحدار سعر صرف الدينار وقال إن الاقتصاديين يشيدون بالتوازن المحقق كما ان الحكومة لم تقدم أي تصور عملي يختلف عما قدمه البنك المركزي. و بين النابلي أن ما قيل عن السياسية الاعلامية المتبعة من البنك والتي تهدف لزعزعة الثقة في الاقتصاد ليس في محله، وهو نفس الشأن بالنسبة للمبررات المتعلقة بمجال اصلاح البنك والحوكمة. ففي ما يتعلق بالحوكمة للسياسية النقدية نفى النابلي انه تقودها لجنة فنية وقال ان مجلس ادارة البنك هو الذي يفعل ذلك، اما اللجنة فمهمتها فنية تنفيذية فحسب. وأضاف ان البنك يعمل منذ مدة على ادخال اصلاح اعمق واشمل في مجال السياسة النقدية بالتعاون مع بنوك اجنبية وهذا البرنامج هو في طور الاعداد. و في ما يخص التدقيق بالبنك المركزي ذكر أنه تم بعث لجنة للتدقيق منبثقة عن مجلس الادارة قامت خلال سنة ونصف بعديد مهمات التدقيق.. وعن عدم القيام بتحقيق شامل للبنك بين أنه ادعاء مخالف للواقع اذا تم القيام بالتدقيق وبناء عليه تمت اعادة هيكلة المؤسسة واعادة توزيع المسؤوليات السامية من قبل المحافظ. الرّقابة و في ما يتعلق بمحور الرقابة واصلاح الاطار البنكي، بين النابلي ان ما قاله الوزير تحريفا للواقع وتجنيا على ما قام بها اعوان البنك. حيث انطلق اصلاح القطاع البنكي منذ 2011 وتمت مراجعة قواعد التصرف الحذر والشروع في دعم الأموال الذاتية للشركة التونسية للبنك وسيقع عرض خطة اصلاح على الحكومة قريبا وفيها برنامج تصحيحي للبنوك العمومية واعادة هيكلة الخارطة البنكية والمصرفية. وأكد ان البنك يشعر بأهمية اصلاح القطاع البنكي لكنه يعمل بصفة مرحلية حفاظا على استقرار القطاع. و لم ينفي النابلي ما ذهب إليه ممثل الحكومة من ضعف الرقابة في القطاع البنكي لكنه استدرك ليوضح أن اهم الاصلاحات تتم في مجال الرقابة، كما بين متحدثا عن المساعي لاسترجاع القروض أنه تم تجميد الأصول الى حين اتخاذ القضاء الاجراء اللازم وبين أن البنك عمل على جرد كامل للقروض التي تمتعت بها الشبكات المعنية واكد انه لا يمكن لأي كان ان يعطي درسا للبنك المركزي في هذا المجال لأنه قام بكل صلاحياته للتعامل مع هذا الملف بالسرعة والنجاعة المطلوبين. الأموال المنهوبة وفيما يتعلق باسترجاع الاموال المنهوبة بين أنها ليس من مسؤولية البنك بل هي مسؤولية لجنة فنية وزارية، وان تقررت اقالة المحافظ فيجب أيضا اقالة وزراء المالية والخارجية والعدل ومكافحة الفساد والحوكمة لأن جميعهم أعضاء في هذه اللجنة. وردا على المبرر المتعلق بنجاعة مكتب المحاماة الذي تم تعيينه في هذا الاطار والذي قال الوزير ان اختياره تم من قبل المحافظ ودون منافسة اجاب النابلي ان اللجنة هي التي اختارته بالإجماع بعد استشارة مكاتب استشارة دولية و ذكّر ان وزير العدل اشاد بمكتب المحاماة. و بالنسبة لمبرر عدم الجدية في استرجاع الاموال المنهوبة بين المحافظ أن اول ملف تعامل فيه مع رئاسة الحكومة الجديدة بعد الانتخابات هو ملف استرجاع الاموال المنهوبة وذكّر بأن رئيس الحكومة بارك الاستراتيجية التي تم اتخاذها في هذا الشأن واشاد بعمل اللجنة ومن الغريب الآن تبرير اسباب اقالة محافظ البنك المركزي بعدم نجاعة عمل هذه اللجنة. و أكد النابلي على المسؤولية الكبيرة للبنك المركزي وقال للنواب إنكم امام خيارين إما مؤسسة مستقلة بعيدة عن التجاذبات السياسية أو مؤسسة خاضعة للتجاذبات السياسية. و همّ المحافظ بالحديث عن فشل الحكومة في توفير الماء الصالح للشراب والكهرباء للمواطنين لكن كلمته قوطعت من قبل نواب من الترويكا وتعالت الأصوات وعمت الفوضى بعض الوقت.