غصّ فضاء مسرح الحمامات الدولي ليلة أول أمس بالجماهير، وأقبل أحباء الكوميديا السوداء-كما كان متوقعا- من كل حدب وصوب لمتابعة الفنان الفرنسي الكامروني "ديودوني مبالا مبالا" خلال عرض يندرج ضمن الوان مانشو. "ديودوني" الكوميدي الفرنسي المعروف بنقده اللاذع للصهيونية وبتبنيه القضية الفلسطينية تخرج الجمل من فمه كالنبال ويصر دوما على كشف العديد من الأمور الخطيرة بأسلوب عادة ما يمزج بين الطرافة والذكاء.. فنان لم يخش حتى أباطرة الإعلام المنحاز للنظام الفرنسي سواء في عهد جاك شيراك أوساركوزي، ما جعله يتعرض الى حملات كبيرة من اليمين المتطرف والمنظمات اليهودية المساندة لإسرائيل وفرنسا التي تعتبره معاديا للسامية. لعل كل هذه العوامل كانت دافعا للحضور المكثف ليلة أول أمس بالحمامات من مختلف الشرائح سيما أن ساحتنا الثقافية -للأسف- لم تشهد بعد أعمالا مسرحية قيمة في الوان مانشو في وقت نحن بأمس الحاجة إلى أعمال فنية تستدعي من المتلقي تأملا وتحليلا معمقا لكل ما يجري حولنا من تقلبات سياسية واجتماعية. قدرات هائلة على الرّكح و بغض النظر عن ثراء النص من حيث المواضيع التي طرحت على غرار الثورات العربية أو القضية الفلسطينية فإنّ ما ألهب حماس الحاضرين لمتابعة ديودوني كلمة بكلمة هو حضوره المتميز على الركح و"الكاريزما" التي اتسم بها فضلا عن مزجه للفكاهة الساخرة بجانب الجدية في شتى المواضيع. ديودوني يجعلك تشعر بقوة شخصيته وثقافته الواسعة المجسدتين على الركح ليصبح المسرح والتمثيل المرآة العاكسة لحياة بلد ومشاعر شعب، بل يجعلك تشعر بأنه -على عكس بعض الفنانين العرب الذين يجمعون بين المسخ الفكري والفني ولا علاقة لهم بما يجري- حريص كل الحرص على إثارة المحظورات والكشف عن مظاهر الأنظمة الفاسدة و مجتمعات الحريات الزائفة. هذا لا يعني أن ديودوني يجب أن يبوّب في إطار المسرح النخبوي بل بالعكس هو من رواد المسرح الشعبوي لأن لغة نصوصه المسرحية بسيطة وعميقة في آن، تستطيع أن تخترق مخيّلة وفكر كل الشرائح. هذا وقد تميّز عرض الكوميدي الفرنسي ليلة أول أمس بلغة قلقة بعيدة عن التأويلات وهو ما يتفق مع مميزات المسرح السياسي كمتنفس للتعبير من مواقف محددة. و لمن لم يتابع أعمال "ديدوني" من قبل سيفهم حتما ضغوط وسائل الاعلام الفرنسية عليه ومنعه من الظهور في الفضائيات في أكثر من مناسبة وصلت الى حد منع عروضه حتى في الشوارع.. ما زاد في عناده وإبداعه الفني.