السخرية القاتلة بقلم جمال الكرماوي »ديودوني« فنان كوميدي فرنسي... اسمر. فنان ساخر يسرق الابتسامة من حجر الصوان، تخرج الجمل من فمه كالنبال.. جمل قاتلة تفوح منها رائحة السيرين... ولأن الضحك والسخرية فنّ جاد فقد تجرأ هذا الفنان على تجاوز الخطوط الحمراء وتبني قضية فلسطين.. ولان عالم »الشوبيز« في الغرب عموما وفي فرنسا بالخصوص قطاع تسيطر عليه الجماعات اليهودية فإن الفنان الأسمر فتح على نفسه ابواب جهنم. عندما اعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في فرنسا لم يكن في نيته قصر »الايليزيه« وانما كان يريد قول افكار تجول بخاطره فاختار المناسبة الجدية ليسخر بكل اريحية.. وقتها تعرض لحملة شديدة من اليمين المتطرف وتهاطلت عليه آلاف الرسائل تكيل له السب والشتم وكانت كلها تنحصر في لون جلده وجذوره... وهو الفرنسي المنحدر من المستعمرات.. ولأن »ديودوني« يجمع بين الطرافة والذكاء فلقد جمع هذه الرسائل ونشرها في كتاب... وكأني به يقول هذه فرنسا المساواة وحق الاختلاف حتى في لون البشرة.. ثم زاد الفنان الكوميدي من عناده... لم يخش اباطرة الاعلام المنحاز او اباطرة صناعة الثقافة المهووسين باسرائيل ففتح النار على شارون وكل المتطرفين اليهود ولم يخف مناصرته للقضية الفلسطينية... ومرة أخرى تعرض للمحاكمة لما ظهر في التلفزيون الفرنسي في زي حاخام يهودي وأدى التحية النازية.. وقد أثارت حركته ضجة كبيرة وحوصر اثرها بمقاطعة حفلاته.. ومرة أخرى مثل »ديودوني« امام المحكمة بتهمة »امتداح الارهاب« لانه قال في حديث صحفي قبل سنتين انه يعتبر اسامة بن لادن اكثر جاذبية من الرئىس بوش... ومن حسن حظه ان المحكمة برأته اخيرا.. »ديودوني« فنان لا يتوب والدليل هو انه مازال مستعدا للدفاع عن مبادئه وقيمه حيث انضم الى لائحة »اوروبا فلسطين« التي ستخوض الانتخابات البرلمانية الاوروبية المقبلة.. اكثر من مرة سخر هذا الفنان من شيوخ التطرف باسم الاسلام ولكن لا احد حاكمه... غير ان اللوبي اياه والاعلام اياه ينقضون عليه كلما تحدث عن اطفال فلسطين وعن اجرام اسرائىل.. ومن حسن حظه ان شخصية بارزة في اسرائىل شبّهت جرائم شارون بالنازية... غير ان »عقدة الذنب« لدى الدول الغربية تجعلهم يضعون حق المواطنة وحرية الرأي بين قوسين او بين القضبان كلما تعلق الامر باسرائىل. أقول هذا وأنا ارى فنانين عربا يجمعون بين المسخ الفني والفكري ولا علاقة لهم بما يجري... جيش الكليبات عندنا لا يصلح الا لتحرير غرف النوم.