بحلول شهر رمضان، تتضافر جهود أعوان المراقبة الاقتصادية للحدّ من تجاوزات بعض التجار الذين يتخّذون من هذا الشهر موسما للاحتكار والاستغلال خاصة في ظلّ لهفة بعض المواطنين على المنتوجات. «الصباح الأسبوعي» قامت أول أمس بجولة صحبة عوني مراقبة تابعين للإدارة الجهوية للتجارة بتونس ومراقب جودة ممثّل لإدارة الجودة لحماية المستهلك، قادتنا إلى أحد أكبر الفضاءات التجارية بالعاصمة ثمّ تنقّلنا نحو بعض المحلات التجارية بجهة المرسى لنحطّ الرحال أخيرا بسوق شارع خالد بن الوليد بالعوينة. بدايتنا كانت في أحد أهمّ الفضاءات التجارية الكبرى بالعاصمة حيث بادر فريق المراقبة بالتثبت من مدى مطابقة المنتوجات لمواصفات الجودة، وأفادنا أنيس بن عمارة عون مراقبة الجودة أنّ درجة حرارة الثلاجة التي تحتوي الأجبان واليوغرت ومشتقات الحليب عامة لا يجب أن تتجاوز عادة ال6 درجات، وهو ما استجاب له الفضاء التجاري الذي زرناه. لكن بتنقّلنا إلى جناح الأجبان، أصدر فريق المراقبة قرار حجز وقتي لكمية 33.800 كغ من الأجبان وذلك عملا بالفصل 24 من القانون 117 المتعلق بحماية المستهلك والصادر في 7 ديسمبر 1992 بالإضافة إلى القانون المتعلق بتأشيرة المواد الغذائية المعلبة الصادر في 3 سبتمبر 2008. فبعد معاينة كمية من الأجبان، تبينّ لفريق المراقبة أنّ التأشيرة الملتصقة بالجبن لا تتضمنّ 10% من المعلومات الواجب وضعها. فالنص القانوني يفرض أن تتضمنّ التأشيرة الملصقة بالمنتوج المعلبّ تاريخ الصنع ونهاية الاستهلاك بالإضافة إلى اسم المنتوج ووزنه ومكوناته وظروف خزنه واحتياطات الاستعمال، إن وجدت. كما أنّ عدم الإشارة إلى هذه المعطيات باللغة العربية ساهم في حجز هذه الكمية باعتبار أنّ النص القانوني يفرض ذلك في حالة يكون المزود محليا. وتبعا لذلك، حررّ فريق المراقبة محضر حجز لهذه الكمية وأرسل استدعاء للممثل القانوني لشركة الأجبان المعنية لإبلاغه بالمخالفة قصد القيام بالإجراءات اللازمة. أسعار غير قانونية من جناح الأجبان تنقّلنا إلى جناح الدجاج حيث لاحظ فريق المراقبة عدم احترام للأسعار باعتبار أنّ وزارة التجارة حددّت سعر شراء الكيلوغرام من الدجاج ب4900 مي، لكنّ الأسعار الموجودة وصلت إلى 8 دنانير. وبعد التثبت والتحادث مع ممثل الفضاء التجاري، تبينّ لفريق المراقبة أنّ المزوّد هو الذي يتحملّ المسؤولية لكونه يبيع للتجار بسعر مرتفع عن السعر الذي حددّته الوزارة مما يجعل البائع مجبرا على عدم الالتزام بتسعيرة وزارة التجارة. ونحن نتجوّل مع فريق المراقبة في الفضاء التجاري، لاحظنا حضور فريقي مراقبة آخرين الأول يتولى مراقبة جودة الحلويات وأسعارها والفريق الثاني يتولى التثبت من جودة المأكولات التي يعرضها الفضاء التجاري للبيع، وهو ما يؤكّد مدى حضور فرق المراقبة وحرص وزارة التجارة على حماية المستهلك. بعد جولة دامت الساعة والنصف تقريبا بالفضاء التجاري، انتقلت «الصباح الأسبوعي» مع فريق المراقبة إلى محلّ لبيع الدجاج بجهة المرسى حيث وصل سعر بيع الكيلوغرام من الدجاج إلى 5840 مي أي ما يمثّل زيادة بدينار عن المبلغ الذي حددّته وزارة التجارة. وبالتأكدّ من الفاتورة، اتضحّ أنّ صاحب المحلّ اشترى الكيلوغرام من الدجاج ب 5050 وهو مبلغ يفوق تسعيرة الوزارة. ومع ذلك، اعتبر فريق المراقبة البيع بذلك السعر مخالفة ، ولذلك تمّ تقديم استدعاء لصاحب المحل يلزمه بالتنقلّ اليوم إلى مقر الإدارة الجهوية بتونس. عدم إشهار الأسعار جولتنا مع فريق المراقبة لا تزال متواصلة، فبتنقلّنا نحو سوق العوينة جلب اهتمام الأعوان بائع خضر وغلال بمدخل حي الواحات لكونه لا يضع أيّ لافتة أسعار على الغلال المعروضة أمام المحل مما دفعهم إلى التوقف والتوجه نحوه. وبدخولنا المحل، لم نجد أي لافتة أسعار. وبطلب الفاتورة من البائع، ادعى أنّه لا يملك أيّ فاتورة. ولكنّ ما يجلب الاهتمام أنّ القارص هو البضاعة الوحيدة التي وضع عليها السعر، ولكن تبينّ فيما بعد أنّه ارتكب مخالفة البيع بأسعار غير قانونية حيث قدّر ثمن بيع الكيلوغرام من القارص ب3980مي في حين أنّ وزارة التجارة حددّت ثمن البيع ب2000 مي، وهي مخالفة واضحة حيث رفعّ هذا البائع ثمن بيع الكيلوغرام إلى الضعف. ولكنّ الأمر المؤكدّ أنّ هذا البائع متعودّ على المخالفات، فقد أفادنا عون المراقبة محمد الطاهر العبدلي أنّه سبق وقدمّ مخالفة لهذا البائع لنفس السبب، لكن تبينّ أنّه لم يمتثل. الغريب في هذا البائع أنّه واع بالمخالفات التي يرتكبها ولكنه غير مبال بأحد، المهم بالنسبة إليه هو التعامل مع الحريف واستغلاله قدر المستطاع، فحتى الميزان الذي يعتمده غير قانوني فقد تبينّ لأعوان المراقبة أنّ البائع لم يعرض الميزان على الإدارة الجهوية للتجارة، وتبعا لذلك طلب فريق المراقبة من البائع جلب الميزان والحضور اليوم إلى مقر الإدارة الجهوية لتطبيق الإجراءات القانونية اللازمة. مشكل الدجاج لم تنته جولة أعوان المراقبة في محلّ بيع الخضر بل تنقّلنا إلى سوق شارع خالد بن الوليد بالعوينة حيث كانت أسعار الخضر والغلال مطابقة تقريبا لأسعار وزارة التجارة، لكنّ المشكل الذي وجدناه هو نفس المشكل الذي واجهناه في مختلف النقاط التي تنقّلنا فيها والمتمثّل أساسا في أسعار بيع الدجاج للحريف وبالبحث في الأسباب وجد فريق المراقبة أنّ السعر الذي اشترى به البائع يفوق السعر الذي حددّته وزارة التجارة وهو ما دفع أعوان المراقبة إلى عزمهم الاتصال بالمزود الرئيسي لاتخاذ الإجراءات اللازمة معه لكونه لم يمتثل لقرار الوزارة. لكنّ ذلك المبرر الذي استند إليه البائع لم يحل دون توجيه استدعاء له يلزمه بالحضور إلى مقر الإدارة الجهوية للتجارة بتونس لكونه يعرض المنتوجات الحيوانية للبيع دون وضع الأسعار. انتهت جولتنا مع فريق المراقبة الذي أبدى جهدا وحرصا على أداء عمله رغم عدم مرافقة أعوان الأمن له، فكلنا يعلم العلاقة بين أعوان المراقبة والتجار منذ الثورة، ورغم ذلك لم يكن الغياب الأمني عائقا للفريق لأداء عمله على أكمل وجه. ويبقى تثمين دور أعوان المراقبة الاقتصادية واجبا لكونهم يمثلون الطرف الساهر على حماية المستهلك خاصة خلال هذه الفترة من كل سنة والتي لا يحقّ فيها لأيّ عون الحصول على عطلة، طبقا لما يفرضه القانون. كما يبقى المواطن شريكا أساسيا للأعوان لأداء عملهم على أكمل وجه خاصة أنّ هناك من المواطنين من تجده يساند التجار رغم أنّك تجدهم في نفس الوقت يتشكّون من غياب دور المراقبة.