من بين الأسباب التي قدّمها السّيد حسين الديماسي وزير الماليّة لتبرير إستقالته من منصبه إختلاف وجهات النّظر بينه و بين زملائه في الحكومة حول «مشروع قانون التّعويض للأشخاص المنتفعين بالعفو العام أو أولي الحقّ منهم» إذ انه يرى ان طرح الموضوع سابق لأوانه في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها اقتصادنا حاليا ويرى أيضا أن «فاتورة» التعويضات ستكون ثقيلة جدا وقد تتجاوز سنويا الالف مليار من مليماتنا. وقد انقسم الرأي العام حول هذ الموضوع «الحساس» إلى شقين متنافرين. فلئن كان من المسلم به أن الاف التونسيين قد تعرضوا إلى مظالم صارخة خصوصا خلال الفترة ال»بنعلية» والتهمت شبابهم وحياتهم السجون وأن عائلات قد فقرّت وجوّعت وشرّدت فإن إقرار مبدإ التعويض وبقطع النظر عن عدم مشروعيته في تقدير البعض سيمثل منزلقا خطيرا من الناحية الاقتصادية لا يمكن لأمهر الاقتصاديين التكهن عند المنطلق بفاتورته المالية الحقيقية. إن الدكتاتورية تقوم على الظلم وافتكاك الحقوق في كل الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخ.. ولذا فإن فتح مثل هذا الباب سيفتح ودون مبالغة باب الجحيم على اقتصادنا الهش بما سيخلقه من مصاريف هائلة وستكون له وهذا الأخطر انعكاسات وبالأحرى عواقب وخيمة على المدى، القصير والمتوسط والبعيد. فرقم الالف مليار الذي ذكره الديماسي والذي رأت الحكومة انه مبالغ فيه سنتجاوزه حتما وبكثير في وقت وجيز. إن الحقائق الاقتصادية عصية على اي تطويع وتكاد تكون في بعض وجوهها معادلات فيزيائية ثابتة القوانين. فالاجراءات «الاجتماعية» السخية نتيجتها الحتمية في بلد قليل الموارد الطبيعية ومحدود الامكانيات كبلادنا هي رفع حجم التداين الخارجي وتتم على حساب خلق مواطن الشغل والنمو الاقتصادي. لذا فلابد من تناول هذا الموضوع بحذر شديد ومن الناحية الاقتصادية قبل الاعتبارات السياسية، فمعالجة مظالم تعرض لها الآلاف خلال الحقبة الدكتاتورية لا يجب ان يكون بارتكاب مظلمة في حق الأجيال القادمة.