تونس الصباح: برودة الطقس لم تمنع جمهورا غفيرا مساء السبت الماضي من مواكبة السهرة الافتتاحية للمهرجان الدولي للموسيقى الالاتية بفضاء نورالدين القصباوي بالعاصمة. هذا الجمهور اقبل ليكتشف ويلامس عن قرب اختيارات وتوجهات المجموعة الاوركسترالية التونسية بقيادة الاستاذ رشيد قوبعة حيث كان الحرص شديدا ووفقا لاهداف هذا المهرجان الفريد من نوعه في تونس على التوقف عند روائع من الموسيقى العالمية الكلاسيكية بأنامل تونسية آمنت بأن الفعل الثقافي الجاد هو الطريق الوحيد لتأسيس ذائقة فنية طموحة عاشقة لكل معاني الجمال في الوجود. والمجموعة الاوركسترالية التونسية التي بعثت الى الوجود عام 1996 ببادرة من الاستاذ رشيد قوبعة ليست سوى نخبة من الاساتذة الشبان المتيمين بالابداعات الموسيقية العالمية عزفا وبحثا في هذه الابداعات والسير على هديها ايمانا منهم بنبل الرسالة الفنية في دورها في «بناء» انسان سوي في تعامله وتعاطيه وعلاقته مع محيطه وقد وجدت هذه المجموعة في المهرجان الدولي للموسيقى الالاتية بادارة الدكتور محمد لطفي المرايحي الحضن الدافئ والدافع الاكبر للكشف عن ما تسعى لتأسيسه وتقديمه الى المتلقي الباحث عن نغم يروي الظمأ في عصر تفشت فيه عديد الظواهر التي خنقت في الانسان النشوة الموسيقية والتعبيرة النغمية التي تبعث بداخله الطمأنينة والارتياح النفسي.. اتقان في الانصات لقد اعادت سهرة افتتاح الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للموسيقى الالاتية للجمهور اتقان فن الانصات من خلال معزوفات عالمية خالدة لجهابذة في الموسيقى الكلاسيكية التي لازالت وستبقى حية في وجدان كل انسان محب وعاشق للحياة بجمالها ورومانسيتها عادت الذاكرة من خلال المجموعة الموسيقية الى ما اسس وكتبه باخ وموزارت.. معزوفات وجدانية حالمة.. هادئة حينا غاضبة.. متألمة.. متمردة حينا اخر.. تعاملت معها وقدمتها الانامل التونسيةالشابة بحرفية واتقان تابعها الجمهور بدقة وتركيز شديد... تكريم وناس خليجان ولئن ذهب في اعتقاد البعض ان المجموعة الاوركسترالية الموسيقية ليست سوى فرقة لاعادة تقديم المعروف من هذه الموسيقات العالمية فان الحقيقة اثبتت العكس. على اعتبار انه انطلاقا من المدارس الموسيقية الكلاسيكية العالمية تعمل وتجتهد هذه المجموعة في الابتكار الذي من شأنه ان يثري المدونة الموسيقية في تونس ومن ورائها الموسيقى الكلاسيكية بأعمال فيها عمق تونسي اصيل يمتد مع العمق الغربي.. ولا غرابة والحال تلك ان تشهد سهرة الافتتاح في الجزء الثاني منها تكريم الاستاذ وناس خليجان هذا الموسيقي الشاب الذي كتب احلى الانغام الكلاسيكية العالمية من وجدانه وذلك ليصبح احد ابرز المؤسسين للسمفونيات العالمية بنفس تونسي اصيل في رحاب الاوركسترا السمفوني التونسي فهو يتوفر على عديد التجارب في هذا الاتجاه اهلته ليكون رائدا في مجال الموسيقى الكلاسيكية... وقدمت المجموعة الاوركسترالية التونسية لوناس خليجان: غناء الامواج... قلب من الورود... بيت ينظر وينتظر... وهي معزوفات تؤكد سعة ثقافة هذا الموسيقي الهادئ في صخب موسيقي بلا حدود. ومما لاشك فيه ان المهرجان الدولي للموسيقى الالاتية وبالاعتماد على امكانياته الذاتية اختار عن حب وطواعية حمل لواء الانتصار للذائقة الفنية الراقية التي ترفض السهولة وتحارب التبلد الذوقي من خلال التفتح على مختلف الثقافات الايجابية ولعل برنامج هذه الدورة يغني المطلع عليه عن كل تعليق لما يتضمنه من محطات فنية عالمية بمفاهيمها الموسيقية الراقية والتي تؤسس لخلود الابداع.