من قال انه لم يعد للشعر جمهور يريده ويسعى لسهراته.. جمهور يستمع ويتلذذ ويطلب المزيد.. صحيح انه جمهور نوعي وان اغلبه من شريحة عمرية متقدمة نوعا ما في السن ولكنه مازال يغري التلاميذ والطلبة ويلقي بظلال سحره على طموحاتهم في التعبير عما يختلج في صدورهم من مشاعر وأحاسيس وآراء ومواقف في كل مجالات الحياة وان طغت المواقف السياسية وشعارات الوعظ على الكثير من القصائد منذ 14 جانفي2011. لهفة الجمهور على الشعر وعلى الندوات والمقاهي الثقافية لمسناها في سهرة الجمعة 3 اوت التي نظمها نادي الشعر التابع للنادي الثقافي أبو القاسم الشابي بالاشتراك مع الفضاء الثقافي دار بوعصيدة برادس في الضاحية الجنوبية للعاصمة الذي احتفل بالذكرى الثلاثين لرحيل الشاعر والقاص والمسرحي المنجي بن يعيش الذي توفي يوم 3 اوت من سنة 1982 . ونشطها واشرف على تنظيمها الشاعر سوف عبيد. هذه السهرة حضرها أعضاء نادي الشعر وأعضاء نادي مصطفى الفارسي للإبداع وأعضاء نادي القصة بالنادي الثقافي ابوالقاسم الشابي بالوردية ومديرة فضاء بوعصيدة للثقافة وهو منزل قديم شاسع وجميل جدا اختار ورثته ترميمه وتهيئته وتخصيصه للنشاطات الثقافية في مدينة رادس. قرابة الألف مخطوط والمنجي بن يعيش حسب ما ورد في شهادات من عاصره من الشعراء والأدباء وأفراد عائلته ومن بينهم ابنه محمد صالح بن يعيش كان من ابرز المثقفين التونسيين الذين ناضلوا من اجل إرساء دولة تونس الفتية في القرن العشرين نشط في الكتابة والتمثيل والإخراج كون جمعية الكوكب الجديد للتمثيل والموسيقى وترك الكثير من المخطوطات يصل عددها إلى قرابة 800 مسرحية كتبت كلها باللغة الدارجة وهي تقريبا جاهزة للعرض على الركح إضافة إلى كتب أخرى في مواضيع وأغراض مختلقة. وقد عبر عن أسفه لبقاء هذا التراث الغزير وهذه المخطوطات الهامة على الرفوف دون ان تجد العائلة سندا او معينا على تحقيقها ونشرها حفظا لحق المنجي بن يعيش الذي فني في كتابتها عمره وحفظا لذاكرة تونس وقد رجا بالمناسبة الحاضرين إنارة سبيل العائلة في البحث عن مؤسسة تحقق آثاره وتنشرها لتدعم بها المكتبة التونسية والعربية. او تقنع وزارة الثقافة بتعهد هذا التراث الغزير والتكفل بنشره وحفظه من الاندثار. انطلقت المسامرة بقراءة مسرحية معبرة قدم خلالها الطالب حمزة الدريدي نصوصا طريفة جدا تنقد الواقع والسياسية والسياسيين وبعض الظواهر الاجتماعية تستمع إلها فتخالها كتبت اليوم لكثرة ما تنطبق على واقعنا المعيش رغم ان المنجي بن يعيش كتبها في أحلك فترات حكم بورقيبة كان النص الأول بعنوان»اعظم فنان» والثاني»العظمة والاستعظام». وحمزة الدريدي مسرحي هاو وكاتب نصوص مسرحية يخرج عروضه بنفسه بحث عن نادي ينشط فيه فوجد في فضاء دار بوعصيدة ضالته. المختار بن إسماعيل.. حضور متميز تضمنت السهرة كذلك فقرة موسيقية استمع خلاله الحضور أحلى أغاني والحان الراحل الهادي الجويني وافتتح الفقرة الشعرية فيها الدكتور المختار بن إسماعيل او كما قدمه الشاعر سوف عبيد طبيب الشعراء وشاعر الأطباء هذا الشاعر الذي يبهرك في كل مرة يقرا فيها قصيد.. يبهرك باللغة السليمة والسلسة والصور الشعرية العميقة والمعبرة وتدفق المشاعر حتى تخال انه يحتضن الكون ويقتطع لك منه مشاهد تفاصيلها تحيل على دقة نظره وقدرته على التغلغل في أعماق سامعه او قارئه ليدغدغ مكان الروح فيه في كل المواضيع والأغراض التي يتناولها في كل دواوينه تقريبا. نقده لاذع وإحالاته ناصعة خالية من اللبس لكثرة دقتها حتى تخال أحيانا انه يجول بكاميرا في الأذهان وفي مكامن الروح فيطلق العنان لما تقوقع فيها وتوارى ليدلف إلى الفضاءات الرحبة يحلق وينطلق بعيدا مقتنصا لحظات السعادة التي يحلم بها -ولكل منا أحلامه- هذا الشاعر الطبيب او الطبيب الشاعر كان ومازال متشبثا بالشعر الكلاسيكي. ثم قرأت الشاعرات هدى الدغاري من نادي الأربعاء للشعر بالنادي الثقافي الطاهر الحداد ووهيبة قوية وهي مختصة في الأدب العربي وتكتب باللغة الفرنسية وبالفصحى والدارجة وسهام بن جميع وليلى مكي التي قرأت جوابة الوجع- ببوش وعودة الروح وسهام بن جميع التي أصدرت مؤخرا أول ديوان لها وعروسية الرقيقي وهي من أعضاء نادي الشعر ابو القاسم الشابي كما قرأت وبلغة فرنسية سليمة الشاعرة سهام صفر مجموعة من قصائد ترجمها لها الأستاذ الجامعي والباحث والشاعر عبد المجيد يوسف الذي قرا بدوره قصيد»الصباح الجديد» كل هؤلاء قرؤوا حسب تقييم الأستاذ والباحث محمد الطويلي نصوصا مجنحة ذات قيمة شعرية كبيرة أخذت في اغلبها الحضور إلى دنيا الفن والخيال والوحي والإلهام. ثم قرأ الشاعر سوف عبيد ملحمة شعرية بعنوان «الجازية» في احد مقاطها وهي الطويلة جدا يقول: إنّي وقفتُ// بين كُلِّ الّذين تسابقُوا// عندما إليها وَصلُوا// سَعَتْ إليّ....// الجازية // ولئن لم تلتقِ البحرَ// يوما // إلاّ أنها ظلّتْ من بعيدٍ تراه //ُ يوما... بَدْؤُهُ مَداه //ُ مراكبُ تمضي...// وتبقي الضّفاف.. تخاف// إلى عُشِّهِ ، عند الرّبيع لايعودُ الخُطافُ// مع الريح// ريح الصبا والصبابات// يأتي الهُتافُ// بني//وما أعذبَ صوت أمّي-// شَذَى المِسكِ// عندما يَلْمَسُني منها اللِّحافُ// تشدني وتقول//: ليكنْ قلبُك مثلَ الرّحى// أو كصخرِ الوادي// إنْ نَقَرَهُ الماء// لا تجرفُهُ السُّيولُ وانتهت السهرة بإعلان الشاعر سوف عبيد عن تنظيم نادي الشعر بالنادي الثقافي أبو القاسم الشابي بالوردية لسهرة شعرية موسيقية يحضرها أعضاء مجموعة الحمائم البيض وثلة من أهم شعراء تونس.