هو مجاهد بن جبر، المكي، المغزئ، المفسر، أبو الحجاج المخزومي، مولى السائب بن أبي السائب، كان احد الاعلام الاثبات، ولد سنة (21) احدى وعشرين من الهجرة في خلافة عمر ابن الخطاب. وكانت وفاته بمكة وهو ساجد، سنة أربع ومائة على الاشهر، وعمره ثلاث وثمانون سنة. وكان اقل اصحاب ابن عباس رواية عنه في التفسير، وكان أوثقهم، لهذا اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما، ونجد البخاري في كتاب التفسير من الجامع الصحيح ينقل لنا كثيرا من التفسير عن مجاهد، وهذه اكبر شهادة من البخاري على ثقته وعدالته، واعتراف منه بمبلغ فهمه لكتاب الله تعالى، وقد روى الفضل بن ميمون انه سمع مجاهدا يقول: «عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وروى عنه ايضا انه قال: «عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل اية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ ولا تعارض بين هاتين الروايتين، لان الاخبار بالقليل لا ينافي الاخبار بالكثير، ولعله عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة لتمام الضبط، ودقة التجويد، وحسن الاداء، وعرضه بعد ذلك ثلاث مرات طلبا لتفسيره، ومعرفة ما دق من اسراره، وخفي من معانيه، كما تشعر بذلك ألفاظ الرواية، وعن ابن مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله، وروى عبد السلام بن حرب عن مصعب قال: «كان أعلمهم بالتفسير مجاهد، وبالحج عطاء» وقال قتادة: «أعلم من بقي بالتفسير مجاهد، وقال ابن سعد: «كان ثقة فقيها، عالما، كثير الحديث» وقال ابن حبان «كان فقيها، ورعا، عابدا، متقنا» وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي بكر الحنفي قال: «سمعت سفيان الثوري يقول: «اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك» وكان رحمه الله جيد الحفظ، وقد حدث بهذا عن نفسه فقال: قال لي ابن عمر وددت ان نافعا يحفظ حفظك وقال الذهبي في الميزان، في اخر ترجمة مجاهد: «أجمعت الأمة على امامة مجاهد والاحتجاج به، وقد اخرج له اصحاب الكتب الستة» رغم هذه الشهادات كان بعض العلماء لا يأخذ بتفسيره فقد روى الذهبي في ميزانه «ان أبا بكر بن عياش قال: «قلت للأعمش: ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ او ما بالهم يتقون تفسير مجاهد؟ كما هي رواية ابن سعد قال» كانوا يرون انه يسأل اهل الكتاب، هذا كل ما أخذ على تفسيره. ولكن لم نر أحدا طعن عليه في صدقه وعد الله وجملة القول ان مجاهدا ثقة بلا مدافعة. كان يعطي عقله حرية واسعة في فهم بعض نصوص القرآن التي يبدو ظاهرها بعيدا. فاذا ما مر بنص قرآني من هذا القبيل وجدناه ينزله بكل صراحة ووضوح على التشبيه والتمثيل، وتلك الخطة كانت فيما بعد مبدأ معترفا به ومقررا لدى المعتزلة في تفسير القرآن بالنسبة لمثل هذه النصوص، في تفسير ابن جرير «فمثلا عند تفسيره (مجاهد) لقوله تعالى في الاية (65) من سورة البقرة « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبث فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» نجده يقول كما يروي عنه ابن جرير ومسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وانما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل اسفارا» ولكن نجد ابن جرير لا يرتضي هذا التفسير من مجاهد فيقول معقبا عليه: «وهذا القول الذي قاله مجاهد قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف.. «ثم يمضي في تنفيذ هذا القول بأدلة واضحة قوية» (انظر تفسيري ابن جرير والطبري، وفجر الاسلام، وميزان الاعتدال).