يرى الكثير من المحللين أن تحويل طبيعة "الصراع" بين الحكومة المؤقتة والاتحاد العام التونسي للشغل من طاولات الحوار إلى الساحات والشوارع أشبه ما يكون بمحاولة "انتحار جماعي". وفي الواقع ومن وجهة نظر أخرى يبدو الصراع المطروح من قبل البعض صراعا مغلوطا على اعتبار أن الحق النقابي هو حق قانوني لا غبار عليه ولا مجال للمساس به شرط أن لا يتحول إلى درجة لي الذراع بين الطرفين وهو ما قد يفقد الاتحاد جماهريته القائمة أساسا على الدفاع عن منظوريه. ويتهم اصحاب هذه الرؤية الاتحاد ب"الانصياع" وراء الأحزاب التي لم تتحصل على نسب كبيرة في الانتخابات قصد خدمة اجندات سياسية بمقومات نقابية كما اتهمت اطرافا توصف "بالراديكالية" بالتحريض على الحكومة انطلاقا من الاتحاد. ويجد الرأي السابق ما يفنده وينفيه أصلا اذ أن بعض المواقف النقابية او حتى السياسية تؤكد أن الاتحاد العام التونسي للشغل وحده صمام امان الثورة على اعتبار أن المنظمة الشغلية وحدها التي كانت الحاضنة الاولى لانتفاضة التونسيين في وقت تراخت فيه بعض الأطراف السياسية في الدفاع عن كل من لجأ للمنظمة للاحتماء بها بل أن البعض منها خيّر الوقوف على الربوة ولم يحرك ساكنا الا بعد هروب بن علي. وتعتبر ذات الأطراف أن حقيقة الصراع بين الحكومة والاتحاد هو "صراع الشرعية" بما يعنيه أن الحكومة ترى في نفسها حكومة شرعية باعتبارها وليدة انتخابات شعبية شفافة وبالتالي فان شرعيتها مستمدة من الجماهير وهو ذات المصطلح الذي كثيرا ما تكرر من قبل مسؤوليين حكوميين. في حين يرى النقابيون أن الاتحاد العام التونسي للشغل يستمد شرعيته من خلال صراع الأجيال المؤسسة له ومن لحقهم بعد سواء ضد سلطة الاستعمار الفرنسي او ضد سلطة نظامي الحبيب بورقيبة وبن علي.
ورغم أن هذا الصراع لا يجد ما يبرره على مستوى القيادات الحكومية فقد اكد رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي في سهرة السبت الماضي التلفزية "انه لا يمكن تصور مستقبل تونس في اطار صراع وتصادم بين المنظمة والحكومة" فان واقع الاحداث المسجلة ميدانيا يؤكد عكس ذلك بداية من واقعة حرق مقر الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة واحداث صفاقس وسلسلة الإضرابات المتكررة هناك او ما اعلنت عنه وزارة التربية من قرار يقضي بخصم عدد ايام الاضرابات التي دعت اليها نقابة التعليم الاساسي، وهو ما اعتبره النقابيون محاولة لجر الاتحاد إلى مستنقع الصراع ومن ثم ضرب كل نفس نقابي مذكرين بما وقع في إحداث جانفي1978.
كما كان للاتحاد موقف واضح بخصوص هذا الصراع حيث أعلن الأمين العام للمنظمة حسين العباسي في لقاء تلفزي له مؤخرا على الوطنية الأولى " أن الاتحاد منظمة عريقة تستمد قوتها من جملة الاهداف المرسومة في الدفاع عن الطبقة الشغيلة وحماية اهداف الثورة دون أن تكون لها مطامح للوصول للسلطة و منافسة الأحزاب في الانتخابات التشريعية والرئاسية." ويبدو أن قيادات الحكومة والاتحاد يعيان أهمية تجاوز أي أزمة بين الطرفين وهو ما تجسد من خلال ما اشار اليه الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان سمير ديلو في تصريح لإذاعة" اكسبراس أف أم" بأن الحكومة ستدعم مبادرة الاتحاد الذي قال عنه "أنه يبقى له الدور الأبرز سياسيا واجتماعيا بالإضافة إلى دوره كمساهم في الاستقرار وبالتالي فان الحكومة لا ترى مانعا في الانخراط في هذا التمشي." فهل تنهي مبادرة الاتحاد العام التونسي واقع "الحرب الباردة " بين الطرفين؟