من جديد يطفو التوتّر بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل على سطح العلاقة بين الطرفين بتعثّر المفاوضات وانعدام الحوار الذي تتبجّح به الحكومة فيما ينفيه الاتحاد ويتّهم الحكومة باتخاذ قرارات انفرادية وفوقية قد تؤدّي إلى إثارة الصدام وتحريك المياه الراكدة والقفز على الرمال المتحرّكة سيّما بعد أحداث مستشفى الهادي شاكر والاعتداءات الخطيرة التي طالت النقابيين ممّا حدا بالقول أن ولاية صفاقس متّجهة نحو تحرّك نقابي وشعبي مثل التحرّك الذي أربك النظام السابق في جانفي 2011. وتدّعم هذا القول عندما تعالت التصريحات مؤخّرا عن نية الاتحاد الدخول في إضراب عام بكامل تراب الجمهورية يوم 9 أوت الجاري وبالقول أنّ القضية اصبحت مسيّسة وانّ الحكومة تسعى إلى ضرب الاتحاد للمضيّ قدما في قراراتها الأحادية الشيء الذي جعل البعض يشير إلى أنّ الأمور تتّجه نحو صدام مفتوح بينهما. «التونسيّة» تطرّقت للموضوع وتقصّت آراء بعض السياسيين والنقابيين حول واقع العلاقة بين الطرفين في ضوء المستجدات الساخنة في المدة الأخيرة. و قال «الجيلاني الهمامي» عضو القيادة السياسية لحزب العمّال إنّ الاتحاد حاول أكثر من مرّة تهدئة الأوضاع ودخل في مفاوضات مع الحكومة لكنّ المفاوضات تعثّرت ولا تزال متعثّرة إلى حدّ الآن ممّا خلق أجواء مشحونة ومحتقنة بين الطرفين. وأضاف «الهمّامي» أنّ الأزمة تعمّقت بعد التجاوزات الخطيرة بالاعتداء على النقابيين في مستشفى الهادي شاكر واعتقالهم وهو ما يشير إلى عودة الممارسات النوفمبرية ونية الحكومة استهداف الاتحاد العام التونسي للشغل والطبقة النقابية ممّا بدأ يثير غضبا قاعديا وجماهيريا على القيادة إن لم تساير غضب النقابيين مؤكّدا انّ الصدام آت لا ريب فيه إذا واصلت الحكومة سياستها الاجتماعية الحالية وازدواجية خطابها القائل بأنّها حكومة حوار وتفاوض مشيرا إلى أن ذلك مجانب للصواب لأنّ الحكومة حسب قوله لا تخدم سوى برنامجها الانتخابي ليختم كلامه بأنّ هناك أزمة ثقة ثلاثية الأطراف بين الحكومة والاتحاد وبين الحكومة والشعب. من جهته أشار سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل إلى أن الحكومة عادت إلى المربّع الأول بمحاولة إرباك الاتحاد ومحاصرة ومضايقة النقابيين قائلا إنها بذلك تمارس سياسة الهروب إلى الامام باتخاذ قرارت انفرادية وتسلّطية مفيدا ان التوتّر هو سيّد الموقف بين الحكومة والاتحاد مستبعدا فكرة وجود صدام. أمّا محمّد شعبان كاتب عام الاتحاد العام التونسي للشغل بصفاقس فقال إنّ الحكومة الحالية تسعى إلى الصراع والتصعيد في محاولة لضرب الاتحاد من خلال تسييس قضية نقابيي صفاقس مضيفا أن قراءاتها الخاطئة والسلبية للأمور هي التي تساهم في تصعيد الأزمة إلى حدّ الصدام مستشهدا على ذلك بالعدد الكبير لعناصر الأمن والجيش الذين أحاطوا بالمحكمة الإثنين الماضي تخوّفا من ردّة فعل أنصار الاتحاد الجهوي والحال انّ هذا الأخير يدعو إلى الحوار لأنّ القضية لا تفض إلا بالنقاش والتفاوض النقابي وأخذ الأمور بهدوء ورويّة وقد سعى في ذلك منذ البداية لفضّ الإشكال من خلال عديد الاتصالات من طرف القيادة النقابية لكن الأمور تأزمت بما يؤكّد تطوّرها نحو الصدام. الصدام مستبعد لكن لا بدّ من الحوار و أفاد الطيب البكوش عن حركة «نداء تونس» أنّ الحديث عن صدام قريب بين الحكومة والاتحاد أمر لا يمكن الجزم أو التكهن به لأنّه سابق لأوانه لكنه عبّر عن تمسّكه بالبيان الصادر عن حركة «نداء تونس» اوّل امس والذي أوضحت فيه أنّها تناولت بالتحليل الوضع العام بالبلاد لتستنكر مواصلة التعيينات في المراكز الإدارية على أساس الولاء الحزبي ممّا تسبّب في تفاقم الاحتقان في عديد المؤسسات على غرار ما حدث في مستشفى الهادي شاكر بصفاقس مشيرا إلى انّ السلط عمدت إلى تقديم العديد من نقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل للعدالة دون احترام الإجراءات القانونية وانّهم تعرّضوا للتعذيب ولم تسمح المحكمة بعرضهم على الفحص الطبي لتدين اقتراف مثل هذه الجرائم وعبّرت «نداء تونس» عن تضامنها مع الموقوفين ومع الاتحاد العام التونسي للشغل وطالبت بإطلاق سراحهم وفتح تحقيق جدّي يهدف إلى وضع حدّ لمثل هذه التجاوزات التي تهدّد الأمن والحريات داعية جميع الأطراف السياسية والاجتماعية إلى اليقظة والحوار من أجل إيقاف مثل هذه الانزلاقات الخطيرة. و رأى النقابي «علي رمضان» رئيس حزب العمل التونسي أن تواصل اللغة الخشبية وصدور التصريحات الخطيرة من جانب الاتحاد أو الحكومة من شأنه أن يجعل الصدام حتميا بينهما وأن النزاعات الموجودة اليوم إذا ما تجاوزت مدّتها ستستفحل وتصبح محلّ مزايدات مضيفا انّه لتجنّب ذلك لا بدّ من التشاور وطرح القضايا الموجودة على ارض الواقع لأنّ الاتحاد ليس في حاجة إلى المزايدات وقادر على الدفاع عن منظوريه ملاحظا أنّ التصادم بين الاتحاد والحكومة لا يخدم مصلحة احد وأنه لا بدّ من تحديد جلسات حوار بينهما لوضع النقاط على الحروف. و أفاد «علي رمضان» انّه لإنجاح مبادرة الاتحاد لا يجب التأثّر بالأحاديث الجانبية ولا بدّ من تشريكه في كلّ الملفات الهامة والابتعاد عن القرارات الأحادية لتحقيق مصلحة البلاد. من جهته استبعد محمّد بنّور الناطق الرسمي باسم حزب «التكتّل من اجل العمل والحريات» فكرة حدوث صدام بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل لكنّه أشار إلى التوترات القائمة بينهما وقال إنّه يجب القطع مع أسبابها لتجنّب الصدام مشيرا إلى انّ العنف مهما كان مأتاه مرفوض ولا بدّ من الحوار لحلّ الأزمة لأنّ الاتحاد قادر على احتواء التصادم وأشار إلى انّه لا بدّ كذلك من تشريك الاتحاد في كلّ القرارات الهامة دون الاستفراد بالقرارات وبالنسبة لقضية نقابيي صفاقس أفاد بنّور أنّ الاتحاد قادر على أن يأخذ القضية على عاتقه وبالحوار مع نقابة المستشفى وقادر على التفاوض مع الحكومة وحلّ الأزمة. عبد الحميد الجلاصي الناطق الرسمي باسم حركة «النهضة» قال إنّه لا وجود لبوادر صراع بين الحكومة والاتحاد وإن الأمر وقع تهويله خاصة في ما يتعلّق بالمسائل الجزئية التي يمكن محاصرتها في إطار القانون مضيفا انّ أحداث مستشفى الهادي شاكر أخذت أكثر من حجمها وانّ إيقاف العمل لمدّة طويلة بمرفق عمومي حسب قوله ليس من تقاليد العمل النقابي ليعبّر عن خشيته من توظيف المنظّمة النقابية ولغايات سياسية للتستّر على الفساد الذي بُرّئ منه الاتحاد. و عن مسألة تغييب الاتحاد من قبل الحكومة وعدم اتخاذ رأيه في بعض القرارات الهامة ممّا ساهم في تصدّع العلاقة بين الطرفين قال الجلاصي إن الحكومة انتخبت لتحكم بالتوافق والتشاور لكن لا يجب ان تكون هناك حكومة وحكومة ظلّ موازية لها وإنّ طلب الاستشارة في القضايا التي تعني الاتحاد مطلب مشروع لكن ان يصبح القرار الصائب هو ما يقرّه الاتحاد فذلك على حدّ قوله إضعاف لسلطة الدولة وخلط بين العمل الحكومي وعمل المنظّمات والجمعيات والأحزاب.