ماذا بعد حزمة المشاريع التي كان قد أعلنها الوفد الحكومي الذي ترأّسه وزير النقل عبد الكريم الهاروني خلال زيارته إلى مدينة صفاقس وإعلانه يومها عن "نهاية زمن الجدل وبداية مرحلة العمل" واعدا كذلك بأن حكومة الترويكا الحالية لن تسمح بأي حال من الأحوال أن تتحول الإدارة التونسية إلى "إدارة نهضوية"؟ غيرأنّه وفي ذات الوقت فإن منطق "المواجهة" بين المنظمة الشغيلة وحركة النهضة الذي صار طاغيا على المشهد في جهة صفاقس فنّده المجلس الجهوي الموسع لحزب حركة النهضة المنعقد يوم الخميس9 أوت2012 والذي بلورته الحركة بوضوح في بيان لها وجهته إلى كل القوى المناضلة في المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات وهيئات وجمعيات حقوقية وسياسية بأنّها تنأى بنفسها عن منطق المواجهة. الإتحاد.. النهضة.. وسبيل الحوار فصفاقس صارت تُمسي وتُصبِح على وقع ملف المستشفى الجامعي الهادي شاكر الشائك مع ما تزامن معه من إيقافات للنقابيين وإعلانهم الإضراب عن الطعام بداخل السجن ليومهم الخامس إضافة إلى أزمة مياه تفاقمت بل باتت مصدرا لاحتجاجات الأهالي وآخرها ما حدث بحي المعز، كل هذا والمواطن في صفاقس لازال مبلغ 450 مليون دينار الذي رصدته حكومة التأسيسي للولاية ملتصقا بذهنه من خلال ما يقارب 258 مشروعا تنتظرالتجسيم. غير أنّ الصراع بات في أوجه بين من يرى في تسييس ملف المستشفى الهادي شاكر وخروجه عن أطره النقابية وبين رؤية ترى في أنّ الملف مسألة شغلية إجتماعية لا يمكن بأي حال من الأحوال إقحام القضاء فيها بهدف فض النزاع. في حين تطوّرت تداعيات ملف مستشفى الهادي شاكر والموقوفين مع ما رافقه من سلسلة إضرابات قطاعية جهوية ومفاوضات جارية بين الحكومة والإتحاد ظنّ من خلالها الكثيرون بأنّ "التصعيد ومنطق المواجهة هو السبيل الأوحد في حسم التوازنات" ، ليأتي رد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي صريحا خلال زيارته في ذكرى يوم5أوت لصفاقس بالدفع أولا وأخيرا بالحوار مثلما صرّح بذلك بهدف "إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه جميع الأطراف" في هذا الملف. وليس فقط المنظمة الشغيلة من ترى بأن الحوار في فض النزاع هو وحده خيار الجميع بل كذلك مكتب حركة النهضة بصفاقس التي اصدرت مؤخّرا بيانا توضيحيا صادراعن مجلسها الجهوي المنعقد بتاريخ 9أوت الجاري الخاص بولاية صفاقس، عبّرت فيه بوضوح أنها كحركة "تنأى بنفسها عن منطق المواجهة أو الدخول في صراع مباشر كما يحاول أن يصوره البعض مع اتحاد الشغل"مذكّرة في ذات البيان أنه "لا مصلحة لأحد في العمل على إضعاف طرف نقابي له دوره الطبيعي في الحفاظ على السلم والتوازن الاجتماعي" وهو ما يقطع بذلك الطريق عن كل من يريد أن يزج بالطرف النقابي في مواجهة ربّما لا تستقيم معادلتها في هذا الظرف الحسّاس من تاريخ البلاد. وقد ورد في بيان المجلس الجهوي الموسع لحركة النهضة أنه وأمام ما اعتبره من "منحى ممنهج نحو تأجيج وتوتير الواقع الاجتماعي والوضع السياسي بالجهة فإن حزب حركة النهضة بصفاقس يدعو كل الأطراف السياسية والنقابية إلى تغليب منطق الحوار والتعقل والعمل على إرساء التهدئة وتجنب كل أشكال التصعيد خدمة لمصلحة البلاد والعباد". وعبرت الحركة وفقا للبيان عن "عميق استيائها واستنكارها للممارسات الخطيرة والمتكررة الصادرة عن منتسبين للمنظمة الشغيلة والتي تمس من سمعة ومصداقية الاتحاد العام التونسي للشغل". الأهم في كل ذلك هو تعبير كلا الطرفين عن تفضيلهم سبيل الحوار وقطع طريق الصدام والمواجهة التي باتت هذه الأيام وشيكة في ظل التصريحات والبيانات الصادرة والتي طالت حتى المساجد وهو ما تريد ليس فقط المنظمة الشغيلة أن تنأى به عن اتحادها بل كذلك حركة النهضة سيما بعد تعبير الأمين العام العباسي بأن "الإتحاد سيظل صمّام الأمان وأنه واهم كل من يريد تشتيت وحدة الصف النقابي". كما أكدت الحركة في بيانها الأخير على ضرورة "تنقية الأجواء وتفادي الصدام بين الحكومة واتحاد الشغل الذي تسعى إليه بعض الأطراف المشبوهة من جرحى الإنتخابات ومن مافيا الفساد المالي والسياسي". تفاديا لمزيد التوتّر بالجهة ستشهد صفاقس التي تعيش أجواء احتقان منذ فيفري2012 بخصوص ملف المستشفى الجامعي الهادي شاكر، في النصف الثاني من سبتمبر المقبل عقد المؤتمر الجهوي لاتحاد الصناعة والتجارة الذي شهد توقّفا لأشغاله في مرحلة سابقة بقرار قضائي وهو ما يطرح مستقبل منظمة الأعراف بعاصمة الجنوب بالتوازي مع ما يعيشه الواقع العمّالي كذلك من مد وجزر مع الحكومة القائمة وما إذا كان المشهد التنموي في صفاقس سيشهد بناء وحوارا جديا لا يقتصر على المستوى المركزي فقط بل سعيا إلى تعميم تركيبة اللجان المشتركة بين منظمة الأعراف والعمّال في مختلف الجهات دفعا نحو حوار جدّي يراعي مصالح جميع الأطراف في آن واحد.