أي نوع من الاعلام نريده لتونس ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 المجيدة.. تلك الثورة التي قامت من أجل استرجاع الكرامة والحرية وحق المواطنة التي عمل نظام المخلوع بكل ما أوتي من وسائل الترغيب والترهيب على مصادرتها وكبتها وقمعها لتمديد استمراره وطغمته الفاسدة في السلطة رغم أنف الجميع والتي دفع شعبنا ثمنها غاليا من دماء أبنائنا الزكية الطاهرة؟ أهو الاعلام الحر الذي يكشف للرأي العام وللحاكم العيوب حتى يتسنى الاسراع بتقويمها وعلاجها وإصلاحها، أم هو الاعلام المطواع المعبر فقط عن مواقف السلطة الحاكمة ووجهات نظرها بعيدا عن مشاغل الشعب وهمومه ومطالبه الحقيقية، أي بعبارة أخرى ما اصطلح على تسميته الكثيرون ب"إعلام التمجيد"؟ إن ما يدفعنا إلى طرح مثل هذه التساؤلات ما نلحظه منذ فترة من كثرة قيل وقال في شأن أداء بعض الصحافيين ووسائل إعلام وطنية وصلت حد التشكيك في مدى نزاهتهم والتزامهم بالمعايير الأخلاقية للعمل الصحفي، وهو تشكيك لا نستطيع بالطبع إنكار أن جانبا منه قد يكون صحيحا فيما يتعلق ببعض الحالات الشاذة التي اختارت الإثارة -بدل التحري عن المعلومة الصحيحة- كسبيل لضمان انتشارها، إلا أنه يعد من التجني تعميمه على كل من تجرأ في صحفنا ووسائلنا الاعلامية المختلفة على التوجه بانتقادات لأداء حكومتنا -المنتخبة انتخابا شرعيا لا غبار عليه- في هذا المجال أو ذاك. نقول هذا لاقتناعنا الراسخ بأن رسالة الاعلام الأولى، وكما نشهده في الدول الديمقراطية الأخرى التي تقر للاعلام بدوره كرافد أساسي للتنمية فيها، هي تنوير الحاكم ومساعدته على اتخاذ القرارات الصحيحة التي تخدم المجتمع والدولة، وهو أمر يستلزم ضرورة عدم التردد في كشف مواطن الخلل حيثما وجدت وطالما تم التحقق من وجودها فعلا دون مبالغة أو زيادة أو نقصان. أما مواكبة هذا النشاط أو ذاك ما لم تتأكد أهميته القصوى فهو لا يمكن أن يكون سوى من قبيل الدعاية التي تضرّ ولا تنفع وهي التي سهلت على أنظمة مستبدة مثل نظام المخلوع ترسيخ أسس حكمها الدكتاتوري. فالصحافة الحرة وكما كتب الصحفي المصري الكبير الراحل مصطفى أمين هي التي "تقول للحاكم ما يريده الشعب، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم".