عقدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان صباح أمس ندوة صحفية تولى خلالها رئيس الرابطة عبد الستار بن موسى إلقاء كلمة هي بمثابة تقرير مصغر أو ملخص لواقع الحريات في البلاد وأتت على ابرز المشاغل والصعوبات التي تحول دون اصلاح فعلي لعدة قطاعات.. وخاصة منها ما يتصل بقطاعات الإعلام والقضاء، والأمن والسجون والإصلاح.. و في ما يلي ابرز المحاور التي جاءت فيها: استهل عميد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مداخلته بإلقاء سؤال مرده: لماذا تعقد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هذه الندوة الصحفية في هذا الوقت بالذات؟ وأوضح ردا على ذلك أن الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتواتر أشكال المس من الحقوق والحريات وتفشي ظاهرة الاعتداء عليها يحتم على الرابطة عقد ندوات صحفية بصفة دورية وهو قرار اتخذته الهيئة المديرة. كما عبر بن موسى في بداية اللقاء عن تخوفه من ان يكون الحوار المرتقب مع المجلس التأسيسي (الذي استجاب مؤخرا لتخصيص الجلسات العامة ليومي 14 و15 سبتمبر 2012 لتنظيم حوار مفتوح مع المجتمع المدني) مجرد جلسات استماع ليقول المجتمع المدني ما يريد ويفعل المجلس الوطني التأسيسي ما يريد مضيفا ان تخوفه مرده أن اللجان استمعت إلى العديد من المنظمات والجمعيات التي تفاجأت في الآخر بمسودة للدستور همشت العديد من الملاحظات والمقترحات البناءة للمجتمع المدني. وهو ما جعله يتساءل عن مدى نجاعة الحوار في غياب ضبط الآليات والأسس وفي غياب إقرار الضمانات لتفعيل نتائجه صلب الدستور والاستفادة منها لتعديل المشروع مشيرا الى ان التشاور مع المجتمع المدني يجب ان يكون في اطار حوار وطني شامل ومفتوح ومتواصل لا في اطار زمني ضيق (يومان) او باعتماد تمثيلية رمزية لكل جمعية في الحوار. شهادة مسيّسة كما اضاف بن موسى ان "ما يزيد من قلقه وتخوفه هو ما حصل بالمجلس الوطني التاسيسي عند التصويت على برنامج عمل لجنة التحقيق في أحداث 9 افريل 2012 عندما عبر العديد من نواب النهضة على تحفظهم الشديد على شهادة الرابطة إذ اعتبروها مسيّسة ولا يمكن الوثوق في شهادتها معتبرا ان هذا الموقف الغريب والمرفوض اصلا سيجعل الحوار شكليا ولا فائدة منه". واعتبر أن "غياب مؤسسة الحوار بين المجتمع المدني والسلطة يبقى التشاور مناسباتيا لا يسمن ولا يغني من جوع". على حد تعبيره، فإن "هذا اللقاء عقد لتسليط الأضواء على الوضع الراهن للحقوق والحريات والذي يبعث على القلق على عديد المستويات سواء تعلق الأمر بالدستور والتشريع بالعدالة الانتقالية ومقوماتها بعودة المعالجة الأمنية والقضائية أو بتفشي ظاهرة العنف المنظم". وضع الحقوق والحريات بين عبد الستار بن موسى خلال هذا اللقاء ان مسودة الدستور غلبت عليها اثار المحاصصة الحزبية وتجاهلت مشاغل ومخاوف المجتمع المدني. "فالتوطئة لم تشر إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما ان بعض الصيغ التي جاءت في باب الحقوق والحريات تؤسس الى الحد من الحريات او التراجع عن المساواة كاشتراط ممارسة بعض الحريات بعدم المس من المقدسات أو السلم العام او النظام العام او الامن الوطني او بحرية الخدمة وهي مفاهيم غامضة وفضفاضة قابلة لتاويلات متناقضة". وقال إن "مسودة الدستور تم فيها تغليب حماية الهوية والقانون والسلطة على حماية الحرية التي يجب ان يكفلها الدستور بكل وضوح". اما في ما يتعلق بالمراسيم فقد اشار بن موسى الى ان السلطة تعاملت معها حسب مصلحتها وبصفة انتقائية كتفعيل مرسوم العفو التشريعي العام الذي يتماشى مع ارادتها في حين رفضت الى حد الان تنفيذ المرسومين عدد 115 و116 المتعلقين بالإعلام. كما أن بعض مشاريع القوانين مثل القانون المتعلق بالمقدسات يمكن ان يشكل خطرا على الحريات العامة والفردية وكذلك على حرية المعتقد التي ضمنتها المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية. وضع الحقوق والحريات والعدالة الانتقالية كشف بن موسى ان العدالة الانتقالية تستوجب قبل كل شيء القيام باصلاحات عاجلة في الفترة الانتقالية ومحاكمة رموز الفساد والاستبداد وهو الامر الذي لم ينجز الى حد الان بالمستوى المامول فالمحاكمات العسكرية لم تبرز الحقيقة للعيان ولم يقع الكشف عن هوية القناصة ومشاركيهم ولم تتمكن المحكمة العسكرية من الحصول على المؤيدات والمعلومات الهامة التي من شانها المساعدة على انارة الحقيقة وهو ما أثار غضب الجرحى وأهالي الشهداء لشعورهم بالغبن وبان هناك نية من المسؤولين لطي الصفحة والاقتصار على اكباش فداء وعلى التعويضات دون المساءلة الحقيقية. معتبرا أن "الاعتصام الذي نظمه اهالي الشهداء والجرحى في عديد المناسبات للاحتجاج على سير المحاكمات ونتائجها آخرها الاعتصام الذي انتظم ببادرة من الجمعية التونسية للشهداء والجرحى هو اكبر دليل على ذلك. أما في ما يتعلق بمحاسبة رموز وفلول ومسؤولي العهد البائد فقد اعتبرها بن موسى رغم الجهد المبذول لم تكن ناجعة إذ كانت أحيانا انتقائية". إصلاح الإعلام لا السيطرة عليه من جهة أخرى أوضح بن موسى أن "العدالة الانتقالية تستوجب إصلاح الإعلام لا السيطرة عليه فإصلاح الإعلام من وجهة نظره يستوجب قبل كل شيء محاسبة الفاسدين وهو ما رفضت السلطة ممارسته بتعلات واهية". وقال في هذا السياق "بعد أن سمحت السلطة للمجموعات العنيفة الخارجة عن القانون والفالتة من العقاب تنظيم اعتصام استفزازي أمام مقر التلفزة الوطنية لمدة 40 يوما عمدت إلى تعيين مديرة جديدة للتلفزة ثم مدير جديد للإذاعة الوطنية دون التشاور مع الهياكل المهنية والنقابية المشرفة على قطاع الإعلام عملا بما هو معمول به في البلدان الديمقراطية". واضاف انه رغم الاحتجاجات فقد واصلت السلطة في مسلكيتها فتولت بصفة احادية تعيين مدير جديد ل"دار الصباح" وهو ما اثار غضب كافة العاملين بالمؤسسة من صحافيين وتقنيين واكدوا صلبها رفضهم للتعيينات المسقطة ووضع حد للتدخل في شؤون التحرير لصحف المؤسسة وامضى على لائحة رفض التعيينات المسقطة قرابة 200 فرد من "دار الضباح". كما أشار بن موسى إلى أن كل هذه التعيينات المتواترة والمتعلقة بقطاع الإعلام العمومي ترمي إلى الهيمنة على المرفق العمومي والسيطرة على خطه التحريري وفي ذلك خطر جسيم على الحقوق والحريات. العدالة الانتقالية تستوجب إصلاح القضاء كما تطرق رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الى مرفق العدالة عموما الذي اعتبره مازال على حاله يفتقر للتجهيزات والفضاءات والقدرات البشرية. واعتبر في هذا السياق ان "القضاء لم يتم إصلاحه إلى حد الآن وتتحمل في ذلك السلطة التنفيذية والتشريعية ذلك أن إعداد مشروع الهيئة الوقتية المستقلة للقضاء شهد تأخيرا ملحوظا وتجاذبات كبيرة قبل أن تتمكن الحكومة في نهاية المطاف وقبل العطلة التشريعية بأيام من إرساله إلى المجلس الوطني التأسيسي لتثار عند مناقشته زوبعة حول مسالة استقلالية الهيئة التي احترز منها بعض النواب بتعلة تغول السلطة القضائية وهي تعلة باطلة إذ أن كافة النواب وأعضاء الحكومة كانوا ينادون بإقرار استقلال السلطة القضائية". واضاف بن موسى ان "استقلال القضاء كان مطلب الجميع دون استثناء وان "اضفاء الشرعية على الحركة القضائية خارج المؤسسات الدستورية والتي هي من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء او الهيئة الوقتية امر مرفوض حسب جمعية القضاة مشيرا إلى أن قطاع المحاماة الذي ساهم في الثورة بقسط وافر تم تهميشه من الحوار والتشاور ولم يقع إصلاحه جذريا بما يضمن حقوق الدفاع وهو ما أكده عميد المحامين". الإدارة و جهاز الأمن ولاحظ رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ان "العدالة الانتقالية تستوجب إصلاح الادارة وجهاز الامن وذلك بتخليصها من الفاسدين والمورطين مع النظام البائد وتعويضها بكفاءات وطنية بعيدا عن الولاءات والمحاصصة الحزبية إلا أن ما حصل غالبا هو اعتماد المحاصصة الحزبية والولاءات قبل الكفاءات عند تعيين المعتمدين والولاءات والإطارات الأمنية والإدارية والمديرين العامين للمؤسسات مثلما حصل اخيرا في الشركة الوطنية للنقل حيث رفض العاملون بتلك المؤسسة التعيينات المسقطة". واعتبر بن موسى ان "القضاء ان لم يكن مستقلا والإعلام إن لم يكن حرا وصادقا والإدارة ان لم تكن محايدة سوف لن تكون الانتخابات القادمة شفافة ونزيهة وسوف يقبر مشروع الانتقال في مهده وسوف تكون العدالة الانتقالية عبارة عن شعار زائف". قمع التحرّكات الإحتجاجيّة من جانب اخر ذكر بن موسى ان "السلطة عادت الى انتهاج التعامل الامني التعسفي وسياسة العقاب الجماعي مستعملة الامن والقضاء لمجابهة التحركات الاجتماعية السلمية الرافضة لتواصل التهميش وفقدان ابسط مقومات العيش الكريم". وقال إن "هذه الفترة الانتقالية شهدت قمع حريات الصحافة والاعلام والفن والابداع اذ تمت محاكمة عدد من الاعلاميين وسجن البعض منهم ليس استنادا إلى المرسوم المنظم لحرية الاعلام بل استنادا الى قوانين زجرية كان يعتمدها العهد البائد لقمع الإعلام كما أن بعض المبدعين وقع تتبعهم قضائيا على غرار الفنانين التشكيليين اثر تظاهرة العبدلية". تفشي العنف الممنهج وذكر بن موسى في ما يتعلق باستفحال اعتداءات التيار السلفي على الحقوق والحريات الى غياب إرادة سياسية لصدهم الأمر الذي شجعهم على مواصلة الاعتداء على الاعلاميين والمثقفين والمبدعين والأدباء وحتى على من يخالفهم الراي. ورغم تعالي الاصوات والدعوات لضرورة التحرك لوقفها ورغم تصريحات المسؤولين في الحكومة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة فانه لم يقع تفعيل الوعود على ارض الواقع. وخلص بن موسى الى القول "اذا لم يجلس جميع الفرقاء لاجراء حوار وطني شفاف وصريح بعيدا عن المحاصصة الحزبية ومن اجل المصلحة الوطنية فقط فان مستقبل الوطن سيعرض الى خطر التناحر والفوضى. ولذلك فان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تدعو السلطة الى فتح حوار وطني شامل اليوم وليس غدا"؟