من بين أجمل الأوصاف التي أغدقت بها الصحافة العالمية على رائد الفضاء الراحل "نيل أرمسترونغ" في وداعه مؤخّرا وتحيّة منها لروح الرجل الذي لعله كان الأكثر شهرة في العالم في القرن المنقضي ما جاء في مجلة "باري ماتش "الفرنسية عندما قالت عنه أنه الرجل الذي مسك القمر بيديه وفي حقيقة الأمر فإن المجلة لم تبالغ كثيرا ولم تهول الأمر ف"أرمسترونغ" حقق حينذاك انجازا عظيما وحلما لم يتيسر للأجيال السابقة في حين تمكن وزملاؤه من رواد الفضاء من تحقيقه. لقد وضع الإنسان بفضله ولأول مرة في تاريخه سنة 1969 قدميه على سطح القمر. لقد كان حدثا هائلا هلل له العالم بأسره وارتقى بفضله نيل أرمسترونغ إلى مرتبة كبيرة ومن ورائه بلده الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائهما الغرب ككل. وقد هنأ العالم بأسره الأمريكيين بهذا الإنجاز الكبير وبالرحلة الأولى الموفقة ما بين الأرض والفضاء في التاريخ حتى أن الروس الذين كانوا في ذلك الزمن وقبل أن يسقط الإتحاد السوفياتي قوة عظمى تنافس الولاياتالمتحدة في غزو الفضاء قد سارعوا إلى تهنئة خصومهم أو منافسيهم على انجازهم الكبير. مرت الأعوام والعقود على ذلك التاريخ الذي سجّله الإنسان بأحرف من ذهب وذلك الإنجاز الذي يحسب للإنسان ورحل "نيل أرمسترونغ" مؤخرا عن الحياة وكان خبر رحيله كفيلا بأن يعيد إلى الأذهان مآثر رائد الفضاء المشهور فحتى وإن تحققت بعد ذلك السبق انجازات كثيرة وحتى وإن أصبح الفضاء قاب قوسين أو أدنى من المواطن العادي بفضل الرحلات الكثيرة والتجوال بين الفضاء والأرض فإن اللحظة التي وضع فيها الإنسان لأول مرة قديميه على سطح القمر تبقى لحظة مميزة واستثنائية في تاريخ البشرية وكذلك الشأن بالنسبة لأوّل انسان يضع يضع قديمه على القمر. رحل إذن نيل"أرمسترونغ" رائد الفضاء الشهير تاركا تاريخا حافلا وانجازات تاريخية لفائدة البشر ككل ولكن "أرمسترونغ"كان قبل كل شيء سليل الحضارة الغربيّة التي تقوم على العلوم والإكتشافات ولا تعرف المستحيل أفلا يذكرنا ذلك بشيء ما؟ ألا يذكرنا ذلك بعهد كان فيه العرب والمسلمون سباقون في العلوم والمعارف ثم ألا يدفعنا ذلك للتساؤل أين نحن من ماض كنا فيه لا نعرف المستحيل؟. لعل الكثيرين من بيننا قد نسوا تلك القيم التي بنيت عليها الحضارة العربية الإسلامية ومن أبرزها قيم العمل والإجتهاد والسعي للعلم ولعل الكثيرين قد نسوا في خضم التقهقر الذي ما فتئت تعرفه الحضارة العربية والإسلامية أن ديننا يقول لنا فيما معناه أنه لو تعلّقت همتنا بما وراء العرش لنلناه. أين نحن من ذلك اليوم أمام هجمات السلفيين في تونس مثلا والحملات المعادية لتحرر الإنسان والأفكار الرافضة لما حققه الإنسان من انتصارات علمية ومعرفية وتكنولوجية. أين نحن من ماض كان فيه العرب أكثرهم ابداعا في مجالات الآداب والفنون وقد صرنا نحارب أول من نحارب الفنان والمبدع ونشهر في وجه سلاح التحريم والتكفير. أين نحن من ماض ومن حضارة عربية وإسلامية حررت الإنسان من العبودية فإذا في تونس اليوم وبعد انتصار الثورة الشعبية لا حديث إلا على استعباد العباد والمرأة على رأسهم وكان عمر ابن الخطاب قد صرخ في يوم ما متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. أين نحن من ماض مشرّف ترك فيه المسلمون أخلاق الجاهلية فإذا ببعض الساسة اليوم يطلبون من التونسيين غزو هذا أو ذاك وضرب هذا أو ذاك باسم الإنتصار للحكومة أو باسم تحقيق ما يرونه اهدافا للثورة. ففي الوقت الذي يزرع فيه الغرب"الكافر" الذي نريد محاربته القمح والشعير تجدنا في تونس اليوم نزرع الكره ونزرع البغضاء في النفوس. وفي الوقت الذي كلما رحل فيه أرمسترونغ في الغرب يولد العشرات الذين لا يقلون شأنا عنه. ماذا ترانا نفعل في تونس اليوم. إننا نرفع الأبواق في الساحات العمومية وننادي بالغزوات موزعين صكوك الغفران على هذا ومعلنين الآخرين حطبا لجهنم. إنهم في الغرب "الكافر" يغرسون العلوم في كل شبر من آراضيهم يفتحون هنا المخابر وهناك مراكز البحوث أما نحن فلا نزرع إلا الرياح ولا ننتظر إن بقينا على حالنا أن نجني بطبيعة الحال إلا العواصف لأن من يزرع الريح يجني العاصفة.