عذرا أبو اياد ( ابن زميلنا خليل الحناشي) لم نكن نتوقع أن يكون الرد على الاصوات السلمية المرتفعة الرافضة للتعيينات المسقطة من أجل حرية الرأي والتعبير بتلك الطريقة اللاإنسانية.. عذرا فقد كنا نعتقد أن الثورة منحتنا حق التجمع والتظاهر السلمي والاعتصام، ولكن يبدو أننا كنا واهمين وأن العقليات المتحجرة قد أصابها عمى البصر وضياع البصيرة بفعل اللهفة على المناصب والاصرار على التمسك بسلطة زائلة فلم تستطع أن تهضم أن الاعلام لا يقبل قيود السلطة وأن الرسالة الاعلامية أقدس وأرفع من كل الحسابات الضيقة وفوق كل أنواع الوصاية وأكبر من أن يكون ورقة للابتزاز والمساومات في مرحلة مصيرية لا تنازل خلالها عن صاحبة الجلالة... كلمة "ديغاج" التي جابت العالم وتحولت الى شعار التونسيين الذين رفعوها ضد رمز الظلم والاستبداد يوم قالوا "لا خوف بعد اليوم"، شعار على درجة من الوعي والرقي لم يصب أحدا بجراح و لم يتسبب في إيذاء كائن من كان... عذرا فقد باتت الكلمات بلا معنى وباتت الحروف عاجزة في هذه اللحظات عن أن تنقل ما حدث ويستحي القلم أن يدون الفضيحة أو أن يصف تلك اللحظات التي اختنقت فيها الحناجر وحبسنا معها الانفاس ونحن نتابع المشهد المريع ونأمل أن يستعيد المدير المنصّب وعيه ويتوقف قبل حدوث المصيبة.. هل من مجال اليوم للمطالبة بتحقيق شفاف وشامل لا يكون كتلك التحقيقات التي فتحت في أكثر من حادثة قبل أن يطويها النسيان؟، وهل من مجال اليوم للسلط المعنية أن تبادر الى مراجعة خياراتها والاعتراف بالاخطاء المتكررة التي توشك أن تدفع بالمشهد الى المجهول؟ وهل من مجال اليوم لنختبر موقع العدالة في الديموقراطية الناشئة؟ ليس أمامنا ونحن نتأمل أحداث الساعات القليلة الماضية الا التوقف عند حكمة الشاعر عسى ان يكون في ذلك ما يعيد الوعي المفقود ويمنح الدواء للعقول السقيمة: يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ