يتلبّبني الرّحيلُ... يُعلن شُرُوخه المُتعرّجة... إمْلاقاتُهُ التي لم تعُدْ تسرُّهَا انتصابَاتُهُ... أعرُجُ الآن بعشرين رجْلاَ أو تزِيدُ.. مِزَقٌ من الخرَقِ الصّفراء تُعْلنُ في القبائل عُرْيهُ.. غُرْبي.. عُرْيِي العالم المتزحْلقِ... في كفٍّ أصَابِعُها عيدانُ كبريتٍ هَلْوسَاتٌ من كلّ الأحجَامِ، ورائحة شياط يمتدّ من صدري إلى نباتاتِ وجهي الشّوكيّة، سيّئة التّوزيع مرورًا بانخطافاتي اللّولبيّة، الدّائريّة، الزّئبقيّة... انخطافاتي ال.. من كلّ الأشكال، تتلوّى وراء فترينات لعرض آخر رسُوم صلواتي حيثُ أركعُ لأطلَّ على غدي من ثقب سروال الامام الخلفيّ، وأسجُدَ لأطيّر رفًّا من تهويمَاتي... أطوّحُهَا في البَراري بسائل لَزج.. مخَاطيّ يتدفّق من أفواه الجياع الحالمين... بأنين الشّيوخ الطّاعنين لحظة افتضاض الأبكار. ربِّ تترَاكمُ الأمورُ والعذاباتُ.. مشكِلٌ يُمسكُ مشكلاً.. يمْسِكُ ناصيتي، ففي أيّ أتونٍ سَأُرْمَى. جُنَّ الرّحيل... والكلامُ لا يمُثّلُ لنا.. فهلاّ لهجتِ بالحلول.. لعلّ الشّخوصَ في الطقوس تحُلُّ؟ ونقطةُ الاستفهامِ التي تريْنَ.. ما كانت لتُولد.. لو لم أبْقَ متدلّيًا على حِبَال الغسيل.. تأتيك التّقاريرُ.. تقارير صباحيّة.. تقارير مسائية.. تقارير ليليّة وجويّة وأرضيّة.. وتقارير من كلّ الأركان.. فتأتي إليّ الرّيح.. تعْصِفُ بي من كلّ الجهاتِ الأربعين.. تقارير صادقة كاذبة.. ترهقها قطراتُ الألسُن المدلاَّة في بئر زيْفٍ وبهتان.. في مراسم دفْني اليوميّة، يأتيني المولودون من قرَف بحبّ جديد.. فأرفضُهُ.. حبٌّ موْبُوءٌ ينْغُلُ بالعَناكِبِ.. وجُرْحِي ثخينٌ.. وأنا في حدائقي الجاهزة كقصائدي للنّحيب، ألقيه جوًّا.. أركله.. أعضه.. لأُدْميه قبل صلبي عاريًا في السّاحات العموميّة.. وهل تسْخَرُ منّي الغِرْبانُ؟ تلك كانت توجّساتي المؤجّلةُ.. فيها يرتدُّ صداكِ هَاتِكًا صلَواتي.. يا اشتعَالَ جبَرُوتي، تتساقط أعْمدَتُهُ تحْتَ وقْع ضَحِكاتِكِ الآسرَة الموزّعة عليَّ وعلى قلبي ونفسي وخيالي بالتّساوي.. كم أنت عَادِلَةٌ؟ ملّكْتُكِ مَمْلَكَةَ أحْزاني.. وشاطرْتُكِ أنْغامي.. وأطْلَعْتُكِ يا الوحيدةُ الفريدةُ على ملَكوتِ ليلي وبأْسَايَ وآلامي.. حاصرني مدُّكِ وما عادَ لي جَزْرٌ.. يا طفلة في أقْصَى الرّوح.. روّحي عنّي قليلاً.. غزوك لمدائن روحي كان وما زال مقبُولاً.. اجتاحيني طويلاً وهيّجي وصالَكِ.. تَبَطَّنِينِي.. دثّريني.. لا الغطاءُ ينفعُ.. لا »الشّعولُ«.. وحْدَهُ لهاثكِ يُدفّئ هجْعَتِي.. كُوني بتُولاً.. سهّريني بأوجاعِكِ.. احتملي خجَلِي يا شوقي ولهفتي.. أنت فرحي وحسْرتي.. يا نديمًا أدارَ بيننا قدَحًا... هلْ صحيحٌ أنت ذاكَ الشّوْقُ؟أجَلْ، وأنا صِرْتُ رسُولاً.. استغفري إذا شئْتِ.. ولا تقولي تزَنْدَقَ الفَتَى.. أنا لم أصنّفْ بَعدُ.. ولا أدري أَمِنَ القدّاسِ أنا أم من الخنّاس.. البارحةَ صنّفْتني.. قُدُسيٌّ حُبّي ورَغْبَتي محْمُومةٌ.. آياتٌ يُرتّلُهَا فحيحُ اللّغة.. نقّطي أحرُفي واشكليني.. مَوْضعيني.. مازلْتُ أسمُو إلى أمْدائك الملتفعة بعطْرِكِ الخُرافيّ النّابع من رجفتيك: رجفةِ اللّقاء الخاطف ورجْفَةِ الانتظار المُميت... للرّمْل، لي من عيْنيكِ نصيبٌ.. يا مَعْشُوقًا أتسلّقُ أهْدَابُهُ.. لعلّني أقفُ مرّةً على قدميَّ وأفتح بَابَهُ.. وأفكّ خصلاتَ شعْرِهِ العَالق بنبْضِ قلْبي.. إيه يا طفلة تسْتَوقِدُ نيران الأحشاءِ.. صِراطُكِ مُسْتقيمٌ أو مُتعرّجُ سيّانَ عندي.. أسلُكُهُ إلى الآخر.. وقطوفك دانية أو عالية... أرْتع فيها ضاحكًا مبتهجًا بارتدادِ بقايا فرحٍ كان على شفتيًّ تجمّد.. حَدّقْتِ فيه فاستوى كائنًا يافعًا يسبّحُ بفضائلك.. صِرْتُ عيْنًا وأنت كُحْلي فكُوني فمًا باسمًا لأكون أرَاكًا ثمّ اسْتاكي بي أنا الحارُّ من الأراك... يا من لو أراني كما أراك الآن جاثمة على صدري تلثُمين دْمعةً مُتحجّرةً على مُقلتي الذّابلة في هذا المدَى.. كلّ شيء ساكنٌ ما عَدَايَ.. نَامِي أنت في حِمَايَ.. أنا شاعرٌ ينامُ بعيْنيْن مفتُوحتيْن وأنت مُلهمتي.. بل مُزكّيتي عند آلهة العشق والجمال لأنّك سليلتُهم.. فنامي لترتاحي من هوسي المُضني ولا تهتمّي.. سأديرُ وجه السّماء قليلا.. وأرفع الأرض قليلاً كيْ أمسحَ العرقَ عن جبينك وأهدْهِدَك قليلاً لأروّحً عنّي كثيرًا.. تهدّلي واشغليني بالسّؤال الأخرس، جفَّ حلْقي.. صار مزْمَارًا.. ولساني تدلّى طويلاً.. فاغمضي جفْنيْك عليَّ.. سأنامُ ضيْفَا عندكِ أو خيالاً لن يزولَ.. الآن أرتجِلُ السّلامَ، فخبّئيني عن الكلاَمِ.. لا أرُوم الرّحيلَ...