بنزرت - الصباح تذكّرنا مأساة الحارقين التونسييّن الغرقى والمفقودين التّي تناقلتها هذه الأيام وسائل الإعلام المحلّية والإيطالية خاصّة والتّي تمثّلت في غرق المركب الذّي كان يقلّ حوالي 136 تونسيا أبحروا خلسة من سواحل صفاقس وذلك بسبب الحمولة الكبيرة للمركب حسب ماهو متداول في وسائل الإعلام تذكرنا هذه المأساة ونحن نتابعها مباشرة على بعض القنوات الإيطالية وهي تنقل صورا للنّاجين وأقوالهم ومختلف التّعليقات لإعلامييّن ومسؤولين محلّيين بمسرحية كانت قد عرضت مؤخرا في نطاق المهرجان الوطني لمسرح دور الثقافة والشّباب بمدينة بنزرت. هذه المسرحية بعنوان "حرقة على المباشر" وهي من تمثيل نادي المسرح بدار الشّباب الخرّاز ببنزرت وهي تصوّر كما يدلّ عنوانها مشهد إبحار مجموعة من الشّباب ذكورا وإناثا في قارب صغير نحو السّواحل الإيطالية ويقع التّركيز على مستوى الدراماتورجيا على مشهدين أساسيين الأوّل مشهد الزّورق وهو يحمل الحارقين والثّاني مشهد المستشفى حيث كان يعالج النّاجي الوحيد من غرق المركب وهو قبطان الزّورق كما وقع التّركيز على مستوى السينوغرافيا على مشهد يختزل المسرحية وعنوانها وهو مشهد الزّورق الّذي يصوّر عملية الحرقة ومراحلها بطريقة مباشرة أمام المتفرّج ولعلّ هذا المتفرّج هو الذّي فرض البحث عن أوجه الالتقاء بين الحرقة في المسرحية والحرقة في الواقع الموضوعي باعتبار أنّ الفرجة كانت حاضرة في الحرقتين (بفتح الحاء): فرجة على الرّكح وفرجة على شاشات التّلفاز ومن مظاهر هذا الالتقاء التّماثل في هوية الحارقين إذ يشكّلون في كلتا الحالتين الجنسين من الشّباب في أطوار الشّباب الأولى والعديد منهم مازالوا في طور الدّراسة كما يتجلّى الالتقاء في خضوع قصّة الحرقة إلى بناء ثلاثي يتكرّر غالبا وهو طور الإبحار ويقترن بالحلم وطور التّأزّم والعقدة ويقترن بمواجهة خطر الغرق بسبب كثرة عدد الرّكاب على المركب غالبا وما ينجرّ عنه من إجبار الرّبّان بعض الحارقين على القفز في البحر لإنقاذ بقية الرّكّاب ونصل أخيرا إلى طور الفاجعة المتمثّلة في غرق الحارقين أو أغلبهم ونجاة بعضهم ليتحوّلوا إلى شاهدي عيان أمام عدسات المصوّرين مثلما تحوّل بطل المسرحية وهو النّاجي الوحيد من الرّكّاب إلى مركز اهتمام الأطبّاء والمحقّقين ولا ننسى أن نذكّر بأنّ المتفرّج في المسرحية وعلى أجهزة التّلفاز على حدّ سواء هو متفرّج متعاطف ولكن هل يقتصر هذا التعاطف على وظيفة التّطهير المسرحي حسب مفهوم أرسطو للمسرح؟ هكذا يلتقي الفنّ والواقع مرّة أخرى في معالجة القضيّة ذاتها وفي التّوجّه إلى المتلقّي ذاته وفي تحقيق الغاية ذاتها وهي تحريك السّواكن وتطهير النّفوس أو زعزعة طمأنينتها والسّؤال الذّي يطرح في الأخير هو هل حقّق الأبطال الذّين صنعوا الحدث حدث الحرقة أو الفرجة في المسرح وفي الواقع على حدّ سواء أهدافهم؟ أمّا أبطال المسرحية ففشلوا في الحصول على جائزة المهرجان وكانت خيبة أملهم كبيرة وأمّا أبطال الواقع فضاعت أحلامهم إمّا في قاع البحر وإمّا في أسرّة المستشفيات ومراكز إيواء المهاجرين الحارقين وهذا وجه آخر من التّلاقي بين الفنّ والواقع في مشهد حرقة على المباشر.