أصبح التشكيك في الخبر وفي المعلومة في تونس منذ فترة عبارة عن الرياضة الوطنية الأولى في البلاد وهي تمارس بامتياز وربما يعود الأمر إلى احساس التونسيين بأن لا أحد في البلاد ومنذ انتصار الثورة يملك الشرعية التي تجعل الناس لا تشكّك في صحة المعلومات التي يقدمها لكن المهم أن التونسي اليوم يستطيع أن يكذّب بجرة قلم أي حدث ويقول عنه أنه مسرحية سخيفة حتى وإن كان الحدث موثقا ومرفوقا بصور ثابتة وبشهادات شهود العيان. الأدلة على ذلك كثيرة نعيشها يوميا تقريبا. يستطيع أحدهم مثلا أن يتعرض للعنف بحضور العشرات من شهود العيان وتجد بكل بساطة من يشكك في حدوث ذلك ويقول أن الأمر مجرد مسرحية سخيفة وترى هؤلاء يرددون ذلك في نصوصهم وأقوالهم حتى وإن كانوا لا علم لهم بشيء. وبات من قبيل العادي والمألوف أن تسارع الصفحات المشبوهة على مواقع الحوار الإجتماعي وتقوم بهذا الدور حتى صار لنا في تونس أناس مهنتهم تكذيب الخبر والوصول إلى كل القرائن التي تخرجه في صورة الخبر الكاذب.
ولئن كنا نعترف بأن الأخبار يمكن أن تكون كاذبة خاصة وقد بات الإمكانية في ترويج الأكاذيب أكثر من واردة بالإنتفاع من الثورة التكنولوجية وخاصة من الإتصال الرقمي الذي يمكن الناس من فبركة الصورة والخبر ولكن هذا لا يعني أن كل الاخبار كاذبة وهذا لا يعني أن نطعن في كل شيء حتى يصبح أحدنا لا يصدق الآخر حتى وإن قدم أمامه جميع الحجج والبراهين على صحة الخبر. نحن مهددون إزاء ذلك بالدخول في حالة من العبث التي تجعل القيم جميع القيم تفقد معناها. نخوض مثلا في "دار الصباح" ومنذ ما يقرب من الشهر معركة واضحة من أجل أسباب أكثر وضوحا. نخوض معركة من أجل حرية التعبير ومن أجل استرداد مجد صحيفة الصباح التي واكبت المحطات المهمة في البلاد وعلى رأسها الكفاح من أجل الاستقلال في البلاد وذلك من موقع الإحساس بأن "دار الصباح" العريقة يمكن لها أن تواصل دورها وأن تضطلع اليوم بدور حاسم في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا ولكن تتهافت الأصوات من أجل ايهام الرأي العام بأننا نعيش فصول مسرحية سخيفة لأن هؤلاء زينت لهم أنفسهم أن طلبنا مستحيل في زمن تشتاق فيه الأنفس المريضة إلى العودة إلى الديكتاتورية. للأسف ذنبنا وعيبنا أننا صدقنا ما أتت به رياح الثورة وعلى رأسها البشرى بالحرية التي انتزعها الشعب بالدم. والحقيقة وبعيدا عن قضية دار الصباح ومعركة أبنائها من أجل الحفاظ على استقلاليتها عن الأحزاب السياسية وعن السلط أي كان نوعها والتي يجرؤ من بقلوبهم مرض على وصفها بمسرحية سخيفة بدعوى أن الدار لم تخض معركة تحرير في عهد الديكتاتورية دون أن يكونوا على علم بما كان يحدث داخل أسوار الدار فإن عدة أمثلة في تونس باتت تجعلنا نتساءل أحيانا: أترانا نعيش في بلادنا منذ أشهر مجرد مسرحية تراجيدية قفزت للتو من المسرح التراجيدي الإغريقي أم ترانا نعيش مسرحية كوميدية من الطراز القديم. فتكاد تكون كل مكونات المسرحين التراجيدي والهزلي موجودة بيننا. هناك من جهة المأساة التي تزداد تفاقما مع الوقت فكلما كلما أشرفت المأساة على النهاية إلا وتحدث مآسي جديدة تعمق الجراح وهناك مشاهد هزلية بأتم معنى الكلمة من بينها مثلا أن يصرح وزيرا للداخلية في حكومة منبثقة عن الثورة في وقت عصيب بأنه غير مختص في الأمن. المشكل أن الكل تقريبا يرى في الأمر مجرد فصول مسرحية سخيفة ولكن من هو في نهاية الأمر صاحب المسرحية السخيفة ما دام الكل يرى في عمل الآخر مجرد مسرحة للأحداث واخرج فصولها في شكل رديء. حياة السايب