صدر هذه الأيام العدد السادس من مجلة قضايا إستراتيجية وهي مجلة فكرية مستقلة محكّمة وجامعة تعنى بالبحوث المستقبلية والدراسات الإستراتيجية في تونس واحتوى هذا العدد على دراسات ثرية ومتنوعة وبلغات عدة وبأقلام خبراء كل في اختصاصه. كتب افتتاحية هذا العدد أستاذ القانون الدستوري والعميد السابق لكلية الحقوق بتونس الصادق بلعيد وقد جاءت تحت عنوان الحالة التونسية الراهنة: نحن الآن في مرحلة تفكيك الدولة. ومن أهم ما ورد فيها قوله: "نحن في مرحلة تفكيك مؤسسات الدولة التونسية... المؤسسات في طريقها إلى الزوال أو الإضعاف أو التهميش من اجل ان تعود السلطة إلى شخص "المرشد الأعلى" فالنظام السياسي حاليا كما تمارسه النهضة مؤسس على خطاب راشد الغنوشي الذي يجمع بيده السلطة باسم الشعب... انه مدلول الخليفة والخلافة." واشتمل العدد على حوار مطول مع وزير المالية السابق السيد حسين الديماسي كشف فيه أن القرارات المالية المصيرية قد اتخذت دون استشارته، وقيّم برنامج حزب النهضة الحاكم بأنه برنامج انتخابي وليس تنموياً وأن مناخ ما بعد الانتخابات غير ملائم للاستثمار واعتبر سعي البعض لاستبدال الفائض البنكي بالمرابحة (أي العمولة) مجرد تلاعب بالألفاظ وأن ليس من مصلحة دول الخليج نجاح الديمقراطية، كما تطرق لشروط إنعاش الاقتصاد ولإصلاح النظام الجبائي وقضايا أخرى. وقال الديماسي في إجابة عن سؤال مآل الممتلكات التي وقعت مصادرتها ان:" الممتلكات المصادرة هي من ثلاثة أصناف:" - ممتلكات يجب ان تبقى ملكا عموميا للدولة(لا يخصخص) - ملكيات يجب أن تقع خوصصتها بعد ان تعاد هيكلتها - ممتلكات تجب خوصصتها كما هي عليه حالتها الآن، وهذه الممتلكات الأخيرة يجب ان تحال إلى مراكز دراسات لتقييمها ثم لاحقا يقع عرضها للبيع أي (الخوصصة)بناء على عروض عمومية يقع إشهارها، علما وانه قبل أن أغادر وزارة المالية وقع الإعلان عن بيع مؤسستين وقعت مصادرتهما(حصص الدولة في تونيزيانا وشركة النقل. - وتحت عنوان خطير كتب الأستاذ عفيف البوني مقالا بعنوان أغلبية الأقلية السياسية من التونسيين تدستر السلفية وتتستر عليها بنقاب أغلبية انتخابات 23 اكتوبر 2011 وتحدث فيه عن حشر الأدب الديني في الفكر الدستوري الوضعي وعن الدين والسياسة والدولة مزيج مقنع ومفخخ ودونية المرأة وعلوية الرجل: العقيدة والعقدة السلفية وتقييد الدعاة للحريات بذريعة المقدسات. وكتب المفكر والجامعي والرئيس السابق للمجلس الوطني الانتقالي للثورة السورية وعضو الهيئة العلمية لمجلة قضايا استراتيجية برهان غليون عن مخاض الثورة السورية وقال انها مستمرة وذلك برغم غياب القيادة السياسية لها. وفي هذا العدد كتب محسن الكعبي (الذي حوكم تعسفاً في ما سمي بمؤامرة براكة الساحل 1991) عن دور الجيش في جانفي 2011، أما الجزائري غزالي بلعيد فقد درس طبيعة السلط التشريعية في أمريكا وألمانيا وفيهما نظامان ديمقراطيان ولا مركزيان. القاضي أحمد الرحموني والليبي الهادي بوحمره، كتبا عن المواصفات الخاصة بالعدالة الانتقالية في تونس وليبيا الآن...، خالد عبيده كتب عن الفنون، ومصباح الشيباني عن المواطنة في زمن الثورات. كما تم أثراء مواضيع المجلة بدراسة عن "حزب الله وحسن نصر الله في لبنان: " السيرة والعقيدة والممارسة" ورأى أن:" العلمانية كما هي في فرنسا لا كما يتخيلها السلفيون ويرفضونها،" وثالثة عن الخلق والحياة: "آدم كما في الأديان والإنسان الأول جد البشر كما في العلوم والمعارف والتاريخ، إضافة إلى خطر السلفية على السياحة ومسألة "الغيريّة" من أجل التعايش مع الآخر المختلف، وأخيراً دراسة عن طبيعة ونشأة ودور جمعية المحافظة على القرآن الكريم 1968-1987. ان وصول المجلة الى عددها السادس واستقطابها لكل هذه الأقلام في هذه المرحلة التأسيسية من تاريخ تونس وصمودها رغم انها متخصصة غير مدعومة إلا من طرف من كتب ويكتب فيها والقراء الأوفياء من الذين لمسوا ما فيها من إضافة لمؤشر على ان القارئ في تونس لم يعد يبحث عن صحافة الإثارة والإسفاف والفضائح وإنما يسعى وراء ما هو جاد وقادر على توفير المعلومة الصحيحة التي تؤسس لبناء خلفية سياسية وثقافية وحتى علمية.