يخوّل القانون للنيابة العمومية إقامة الدعوى العمومية باسم المجتمع من خلال ملاحقة الجرائم وفتح التحقيقات، فهي المدافع الأساسي عن الحق العام والحريصة على حسن تطبيق القانون. ونظرا إلى المهام المسندة إليها بموجب القانون، لاقت النيابة العمومية بتونس انتقادات من قبل عدد من الحقوقيين لكونها لا تقوم بدورها على أكمل وجه وبكونها تتبّع سياسة المكيالين. «الصباح الأسبوعي» رصدت أهمّ الأحداث التي تعتبر فيها النيابة العمومية مقصرّة في أداء دورها وتحدثّت إلى عدد من الناشطين في المجتمع المدني حول هذا الموضوع. مثلّت أحداث 9 أفريل النقطة التي أفاضت كأس صبر نشطاء المجتمع المدني، فقد كان من واجب النيابة العمومية حينها المبادرة بفتح تحقيق حول جملة الاعتداءات التي وقعت خلال ذلك اليوم لكنّها لم تقم بذلك، بل على العكس وقع رفع الشكوى لدى مركز أمن لتكون بذلك الداخلية الخصم والحكم في نفس الوقت ورغم استنكار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونشطاء آخرين هذه الخطوة، فإنّ النيابة العمومية لم تحرّك ساكنا. ويقول مختار الطريفي الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا الصدد ل»الصباح الأسبوعي»: «فقدنا الثقة التامة في النيابة العمومية منذ أحداث 9 أفريل لأنها كانت تملك جميع الأدلة والحجج التي تبيّن الأشخاص المتورطين في أحداث العنف التي حصلت يومها، لكنها لم تفعل ذلك باعتبارها تخضع إلى تبعية السلطة التنفيذية في شخص ممثلها وزير العدل».
إيقافات..وإطلاق سراح
وعلى إثر أحداث العنف التي شهدتها مختلف مناطق الجمهورية، قامت قوات الأمن بإيقاف عدد من المتسبّبين في تلك الأحداث لكن سرعان ما تمّ إطلاق سراحهم وهو ما استنكرته نقابات الأمن في أكثر من مناسبة. ويشار في هذا الإطار إلى مداخلة العضو سمير بالطيب خلال جلسة مساءلة وزير الداخلية التي انعقدت الإربعاء الماضي، حيث قال أنّه «وقع الإمساك ب500 سلفي في حالة تلبسّ لم يقع إيقاف سوى 80 منهم وهم إلى اليوم دون محاكمة، مما يجعل إمكانية إطلاق سراحهم أمرا واردا». وهو ما استنكره أحمد الصواب الرئيس السابق لاتحاد القضاة الإداريين، قائلا: «أرى النيابة العمومية تشجّع بدورها على القيام بتجاوزات في حقّ الأمن العام لأنّه عندما تجد أحد المتسبّيبن في أحداث العنف يظهر في وسيلة إعلامية ويصرّح بفعلته والنيابة العمومية لا تتحرك، فلسائل أن يسأل هنا «هل لدينا نيابة عمومية تحترم دورها؟». التصريحات الحقوقية حول عودة التعذيب الممارس من قبل أعوان الأمن تعددّت مؤخرا، ورغم تصريح وزير الداخلية علي لعريض بوجود بعض التجاوزات فإنّ النيابة العمومية لم تبادر بفتح تحقيق في الغرض، وهو ما استنكره الحقوقيون الذين رأوا ضرورة في قيام النيابة العمومية بزيارات السجون.
«محاكمة النيابة العمومية»
على صعيد آخر، حملّت مجموعة ال25 محاميا مسؤولية هضم حقوق شهداء الثورة وجرحاها إلى النيابة العمومية، حيث قال أحد أعضاء المجموعة المحامي شرف الدين قليل ل«الصباح الأسبوعي»: «إنّ النيابة العمومية هي أوّل من يجب محاكمته في قضايا الشهداء لأنها ساهمت في إخفاء الأدلة عوض كشفها، ولكن للأسف باتت النيابة العمومية تتعامل بمنطق «ألو» (أي منطق التعليمات من وزير العدل) عوض منطق القانون». وأشار الطريفي في هذا الإطار إلى إمكانية أيّ شخص رفع شكوى ضدّ النباية العمومية لتقصيرها في أداء دورها، قائلا: «الرابطة لها جميع الأدلة التي تدين النيابة العمومية، لكنها لم تقرّر بعد ذلك». ولا يمكننا الحديث عن دور النيابة العمومية دون المرور بالتصريحات الحكومية والرئاسية حول وجود أطراف تتآمر على الحكومة وعلى أمن تونس، ورغم أنّ هذه التصريحات تمسّ من أمن تونس وتتسبّب في تكريس الانشقاق في صفوف التونسيين، فإنّ النيابة العمومية لم تبادر بفتح تحقيق مع كلّ من أدلى بذلك التصريح.
سياسة المكيالين
إنّ النيابة العمومية التي لم تحرّك ساكنا في جملة الأحداث التي ذكرناها، وجدناها حاضرة بقوة وفي ظرف وجيز في بعض الأحداث على غرار ما حصل في أحداث العبدلية وما حصل كذلك مع مدير صحيفة «التونسية» الورقية نصر الدين بن سعيدة. التهديد بالقتل شمل أكثر من شخص لكننا لم نلحظ تحركا فعليا للنيابة العمومية إلا على إثر تصريح عضو حركة نداء تونس لزهر العكرمي بوجود طرف حكومي يسعى إلى قتل الباجي قائد السبسي. وقال مختار الطريفي في هذا الصدد: «سياسة المكيالين التي تتعامل بها النيابة العمومية بدت واضحة، حتى عندما تتقدّم إليها شكايات تتركها في الأدراج ولا تتصرّف فيها بالسرعة الضرورية». وعن أداء النيابة العمومية، اعتبر عدد من الحقوقيين أنّ رئاستها من قبل وزير العدل هي سبب عدم استقلاليتها، وشاطرهم في ذلك المحامي شرف الدين قليل الذي قال: «إنّ القرار الارتجالي الذي اتخذّه البحيري لإعفاء القضاة أثرّ بدرجة خاصة في النيابة العمومية لأنه لم يستند إلى أساس قانوني ولم يرجع إلى المجلس التأسيسي، وللأسف باتت النيابة العمومية اليوم في آخر طابور». فمتى تصبح النيابة العمومية مستقلة بذاتها وتساهم في إصلاح العدالة في تونس ما بعد الثورة؟