مرسيليا مدينة فرنسية لكنها وإن كانت فرنسية في الجغرافيا فإن تاريخها يكتب يوميا بألوان متعددة. كل الأجناس تقريبا تلتقي بهذه المدينة المتوسطية التي تشعرك روائح الأطعمة ورائحة التوابل المتنوعة بأنك في حضرة أرض كل الناس وفي حضرة مدينة السيد مواطن من العالم. لذلك لا نستغرب أن يدعو الفرنسيون نساء سجنان من تونس وتخصيص فضاء لهن بمناسبة تحول مرسيليا والمدن المجاورة لها ووسط فرنسا إلى عاصمة ثقافية لأوروبا كامل العام القادم 2013 تحت التسمية الرسمية "مرسيليا بروفونس 2013". فمرسيليا تريد أن تحيّي بالمناسبة كل الثقافات التي تمتزج على أرضها. فإن أراد البعض أن يحصر الوجود المغاربي والإفريقي مثلا في مرسيليا في مجرد العملة وسكان المناطق الساخنة فإن المناسبة سانحة للتأكيد على أن القضية أكبر من ذلك بكثير. جزء كبير من المغاربة والأفارقة وحتى الأسيويين هم بالفعل من العاملين بالسواعد وليس في ذلك ما يدعو للخجل ولكن هؤلاء ساهموا في اثراء المنطقة بما نقلوه من عادات وتقاليد وأسلوب عيش إلخ.. ونساء سجنان اللواتي تمكن وهن الفنانات العصاميات والموهوبات اللواتي لا أدوات لديهن سوى الطين ولا علم لهن إلاّ ما ترسب في الذاكرة من تفاصيل عجن الطين لصنع العرائس من نقل هذا الفن الذي تعلمنه من الجدة ومن الأم وتحويله إلى ما أشبه ما يكون بصناعة بأتم معنى الكلمة, هؤلاء النسوة الفنانات سيخصص لهن فضاء للعمل بمرسيليا للتعريف بفنّهم وبمهاراتهن أمام أعين من استفزته عروس سجنان التي تتداول في الأسواق الأوربية وتجد اقبالا كبيرا وتباع بسعر محترم وفق ما علمناه في عدة مناسبات وخاصة خلال تظاهرة عروس سجنان التي تم تنظيمها بين تونس ومدينة سجنان منذ فترة والتي تم فياها احتضان مجموعة من النساء وتوفير ظروف أفضل لممارسة فنهم الذي هو في الاصل مصدر قوت رئيسي. ولم يكتف المنظمون بدعوة نساء سجنان بمناسبة اختيار مرسيليا بروفونس عاصمة ثقافية لأوروبا 2013 وإنما تضم القائمة أسماء كثيرة من فنانين ومبدعين ممن كان لهم اسهامهم في الفترة الأخيرة في تحريك الساحة الفنية ونذكر من بينهم مجموعات أرمادا بيزرتا وصوت الحرية وعلياء السلامي وسلمى وسفيان ويسي وهما وراء بادرة " دريم سيتي" التي انطلقت منذ أمس بالعاصمة في دورتها الثالثة وسينتقل جزء من هذه التظاهرة إلى مرسيليا العام القادم. وستكون لنا فرصة ثانية للحديث عن مختلف المدعويين والبرمجة التونسية بالكامل في 2013 بمرسيليا. فسيفساء باردو بمرسيليا وتجدر الإشارة إلى أن عدة لوحات من متحف باردو سيقع عرضها بالمناسبة في مرسيليا في إطار معرض كبير يحمل عنوان" من المدن الكبرى الأمس إلى إنسان اليوم ". ولعله من المهم التأكيد على أنه تقام بمناسبة "مرسيليا بروفونس 2013 " احتفاليات تكبرى توزع على ثلاث محطات هي على التوالي "مرسيليا بروفونس تستقبل العالم" و"مرسيليا بورفونس أمام سماء مفتوحة" و"مرسيليا بروفونس بألف وجه". وتنتظم بالمناسبة حوالي 500 تظاهرة و100 معرض. ربما يبقى المشهد منقوصا بعض الشيء رغم مختلف الإستعدادات ورغم الإعلان عن محطات كبرى وعن أحداث ثقافية مهمة جدا. فقد علمنا أنه قد يلغى المعرض الخاص بالكاتب الراحل ألبير كامو. كان من المفروض أن يكون معرضا ضخما ثم يتحول إلى معرض دائم. وألبير كامو الذي يحتفل هذا العام بمائويته يعتبر رمزا حقيقيا لمرسيليا التي تجمع بين خصوصيات الشرق والغرب. فهو الفرنسي الذي نشأ وتربى على أرض الجزائر وهو الكاتب الذي كان يدافع عن حق الجزائري في الإستقلال ويقف ضد حرب الجزائر في نفس الوقت الذي كان يرفض فيه كل محاولا لشيطنة الفرنسيين الذي نشأوا بالجزائر وهو واحد من بينهم اجتمعت فيه خصال هذا وذاك. ويبدو أن الخصومة حول من يشرف على هذا المعرض بين المؤرخ لحرب الجزائر "بنيامين ستورا "والفيسلسوف الذي كتب كثيرا عن ألبير كامو"ميشال أونفري" قد تحرم زوار المدينة وسكانها من مناسبة هامة للتعرض على صاحب نوبل للآداب الذي كانت الجزائر ملهمته الأولى.