سيكون الجمهور المسرحي على موعد جديد وعرض اخر لمسرحية "فركة صابون.. لمعز التومي والفنانة عزيزة بولبيار وذلك يوم 12 أكتوبر الجاري بالمسرح البلدي بالعاصمة. وكان هذا الثنائي قد حقق قبولا جماهيريا واستحسانا من النقاد والمتابعين والمهتمين في مختلف العروض التي قاما بها في السابق خلال الموسم الثقافي الماضي. و"فركة صابون" عمل مسرحي يدوم عرضه حوالي ساعتين هي المدة الزمنية التي تستغرقها أطوار الحكاية،، هذه الحكاية التي كثيرا ما تكررت طيلة السنة والنصف الأخيرة في اغلب الأعمال المسرحية والفنية التي أنتجت وتحديدا منذ حدوث ثورة14جانفي، فإذا كنا قد تخلصنا من قيود النظام السابق ومن محظوراته فإننا أيضا تخلصنا من نفس القيود لكن بالدراما، ومصطلح (قيود) هنا لا نعني به الحد من حرية التعبير أو تقنينها فقط، بل نقصد التخلص من القوالب الدرامية السابقة، فلم تكن ثورة 14 جانفي ثورة على القوالب الفكرية التى أصابها التعفن فقط بل يبدو انها ثورة على القوالب الدرامية المستهلكة بالدراما المسرحية،، مثل (الزمان)، و(المكان)، و(الحدث الدرامى) و(المشهد المسرحي) حكايات الثورة والذى فرض طرح بعض قصص من عاشوا تجربة العيش في نظام ديكتاتوري وفي مناخ اتسم بالظلم والاضطهاد والقمع،، وما حدث في تونس على مدى 23 عاما من القهروانتهاك حرية الراي،، وما يهمنا هنا هو كيف قدمت تلك (الحكايات)؟ امرأتان تقيمان بدار المسنين كل واحدة منهما لها شجونها وهمومها ومأساتها الخاصة جدا.. يلتقيان فيبدأ القاسم المشترك بينهما الشعور بحجم المأساة وبالمرارة،، هو لقاء بين الأم والجدة يتخلله حوار واسترسال في الهذيان ممزوج بالنقد للواقع والرسم بالكلمة العميقة والمعبرة لما تعيشه تونس من المجلس التأسيسي إلى الأحزاب والسلفية... وبطريقة مميزة جدا للمسنات تبدأ رحلة نشر غسيل اللحظة وينطلق كشف المستور.. عبر اعتماد أسلوب مباشراتي صريح وواضح ولا يحتاج لكثير من التفلسف أو التعقيد أو "الطلسمة" المسرحية التي يعتمدها الكثيرون بدعوى التميز والتجديد والعبقرية "الموهومة"... فهل استطاعت "فركة صابون" كسر تلك القوالب التي تم اعتمادها في أعمال مسرحية تحمل نفس المضمون؟ بداية يلفت نظرنا خشبة المسرح المفتوحة والتي لا تحوي كواليس أو ديكورات أو أية قطعة تحاول إيهام الجمهور أو إدخالنا إلى حالة مغايرة عن الواقع، وهى حالة مقصودة ولم تغير طبيعة العرض من حالة المسرح في شيء بل نجد أن العرض حينما يبدأ، فهو يطرح نفسه على الجمهور في البداية بإضاءة الإنارة على خشبة المسرح التي تبرز الحالة النفسية والجو العام الذي يتماشى مع الإيقاع السردي للحكاية الممزوج بالنقد وبأسلوب كاريكاتوري ساخر-ضاحك ليعطي في نهاية الأمر لهذا العمل نمط الكوميديا السوداء حيث اعتمد هذا الثنائي على الثرثرة والهذيان وهما ميزة طبيعية لمن يبلغ مثل سن البطلتين. ولعل أولى القوالب المسرحية التى تكسر حالتها الاعتيادية القديمة هما قالبى (المكان) و(الزمان) فحكايات هذه الأيام تعرضت لها أكثر من عمل فني ومسرحي ولعل آخرها "الزمقري" لمحمد علي والأمين النهدي.. ولم تكن حكايات الممثلين أنفسهم فقط وما مروا به فترة ما بعد الثورة بل هى حكايات شخصية تراوح بين الجادة والهزل لترسم بين ثناياها واقعا أليما من خلال طرح ساخر. ثم تندثر هنا مفاهيم وحدة الزمان والمكان، فالزمان هنا ينتقل عبر الحوار ودون أية قيود فتارة تحدث الحكاية وتارة تنطلق الثرثرة ويسترسل الغضب والهذيان وهكذا تتوالى القصص فى الانتقال الحر فى الزمان لتكسر وحدته المعروفة قديماً ولكن هذا لا يعنى أنه ليس هناك زمن شمولى لهذه الحكايات، وما يحسب لمعز التومي وعزيزة بولبيار في "فركة صابون "انهما يجعلانك تستنبط بعض الدلالات التي ترشدك إلى ميلاد دراما مسرحية جديدة تحمل بذرة الإضافة ومتعة التميز. "فركة صابون" مسرحية تتنزل في اطار مسرح الكوميديا السوداء وهو عمل جاد يحمل في طياته بذرة الابداع الذي ظهر بعد الثورة وهو وليد مناخ الحرية الجديدة.. ويغري بالاقبال عليه خاصة وهو يحاول اعادة الجمهور بكثافة الى قاعات العروض ومصالحته بعد سنوات الجفاء الماضية..