إنها لفضيحة بكل المعايير والمقاييس والأوزان ! نعم، إنها لفضيحة مدوية أن تصبح تونس بمثابة «الغنيمة» التي يتم التنازع عليها ونهش جلدها... فقد ذهب اللحم والشحم من زمان ولم يبق إلا الجلد والعظم. فبعد فضيحة مرتبات السادة النواب المحترمين التي تفوق حاليا، وبالأرقام المقارنات الموضوعية منح النواب في الدول الأوروبية الغنية المزدهرة المستقرة اجتماعيا واقتصاديا... بعد هذه الفضيحة التي علمنا خلالها ان مرتب نائبة رئيس المجلس التأسيسي يبلغ حوالي 40 مرة الأجر الأدنى المضمون في بلادنا بينما لا تتجاوز منحة النائب البرلماني الفرنسي 5 مرات الأجر الأدنى المضمون في فرنسا ها هي «شهية» السادة النواب قد انفتحت أكثر وليطالبوا ب»نظام خاص» للتقاعد.. لل»بطّالة» منهم نصيب فيه وللمتقاعدين منهم نصيب آخر. لم نشهد له مثيلا في الدنيا لا في مشارق الأرض ولا في مغاربها. فقد انتخبنا هؤلاء النواب الذين اوهمونا (نعم، لقد أوهمنا بعضهم وحتى لا نعمم أنهم ترشحوا نضالا ورغبة خدمة هذا الشعب) لمدة عام واحد لتحرير دستور لا غير فإذا بهم يكشرون عن أنيابهم ويكشفون طبيعتهم متعاملين من المال العام، بل مع البلاد ومقدراتها على أنها «الغنيمة» التي يجب نهش أكبر جزء منها قبل فوات الأوان. «النواب المحترمون» وقد بلغ عدد من يطالبون بذلك 113 عضوا أي أكثر من نصف نواب المجلس يريدون من نيابتهم أن تكون «ضربة العمر» لأنهم يعرفون أنها قد لا تتكرر مرة أخرى بل أنهم فوق هذا وذاك يريدون ال «Bonus» فلمن يتقاضون حاليا جراية تقاعد ستتم إضافة stock-options بلغة البورصة جزاء خدمتهم للشعب «الغلبان». وهم لا يجهلون قطعا أن أنظمة التقاعد في تونس تشكو حاليا عجزا ماليا وان جرايات «الزواولية» مهددة على المدى القريب إذا لم يتم ايجاد حلول عاجلة. فالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية تم تفليسه من زمان بجشع الموظفين الحكومين السامين الذين منحوا لأنفسهم امتيازات لا أنزل الله بها من سلطان اضافة إلى تلاعبات «التجمع» من تمويل مباشر أو غير مباشر له. أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقد كان مزدهرا ماليا ويحقق فائضا هاما بأموال انخراطات العمال والموظفين في القطاع الخاص ورجال الأعمال إلا انه تعرض إلى عملية قرصنة لاأخلاقية وممنهجة على مدى عقود طويلة (موائد الإفطار»الرئاسية» في رمضان مثلا كانت تمول من أموال الصندوق). كما كانت الدولة «تقترض» منه بانتظام ولكن «بلاش رجوع» مما جعله يصل إلى الحالة التي هو عليها اليوم ويجد نفسه في وضع شبيه بوضع الصندوق الأول. وها إن نوابنا المحترمين... نواب الشعب... نواب الثورة، ثورة الحرية والكرامة ومحاربة الفقر والتهميش والتفاوت الجهوي ها إنهم ويا للعار والعيب و... «الخنار» أيضا يريدون أن يأخذوا نصيبهم من مثل هذه الغنيمة قبل فوات الأوان (أي قبل أن «يفوتهم القطار» على حد تعبير علي عبد الله صالح) ويلفظهم الناخبون لفظا في الانتخابات القادمة. فما أتعس نائبا يزعم انه ينوب شعبا ويسهر على مصالحه وهو يفكر بعقلية الغنيمة أو بالأحرى بعقلية «مسمار في حيط». وفتصوروا يا عباد الله أن القانون المقترح ينص على أن «يحلب» النائب الشاب ضرع الدولة مدى حياته من أجل سنة أو سنتين «خدم» فيهما الشعب اذ هناك اقتراح بتمتيع النائب الشاب بعد انتهاء مدة نيابته بمنحة عمرية تبلغ ثلث منحته الحالية أي حوالي ضعف مرتب معلم أول او استاذ ! انها لفضيحة ان يفكر نواب الشعب او من يدعون ذلك بهذه الطريقة وان يكشفوا عن مثل هذا الجشع المقيت الحقير. وأقولها صراحة، ماذا يفرقهم اذن عن «الطرابلسية» الجهلاء الذين اعتبروا الحكم غنيمة والبلاد وشعبها.. مملكة السيد الصهر. إن من أثار هذه المهزلة ومن يقف وراءها لا حق له في تمثيل الشعب وهو غير أهل لذلك وعليه ان يتوارى خجلا وان يجلس في ركنه الى حين الانتخابات القادمة. إن جشع النظام الدكتاتوري السابق برز جليا اثر زواج بن علي بليلى أما جشع «نواب الشعب» الذين انتخبناهم ويا للعار.. فقد برز منذ ان «حطوا ساقهم في الركاب». فكيف يمكن اذن أن نلوم اليوم من يحن الى عهد بن علي وكيف يمكن ان نلوم من يقارن بين العهدين؟! لقد كتبت سابقا مقالات عديدة أنحيت فيها باللائمة على كل من يحن الى عهد بن علي واتهمته بخيانة الوطن والثورة واكدت انه مهما كانت مصاعب الفترة الحالية فان الوضع لن يكون أسوأ من عهد بن علي في أي حال من الاحوال. ولكن «على ها الدزة» وامام مثل هذه «الغرائب والعجائب» قد أتراجع عن موقفي قريبا لأتحسر على عهد المخلوع وليلاه فعلى الأقل كانا واضحين صريحين في ملء جيوبهما وجيوب المقربين لهما جهرة على رؤوس الملإ.. وفي تزييف الارادة الشعبية والحكم بمنطق العسف والقوة اما نوابنا فهم يمثلون الارادة الشعبية والثورة على حد زعمهم ليطعنوهما من الخلف في النهاية.