بقلم: رئيف بن حميدة - من دون شك،الأزمة التونسية الراهنة سببها الصراع السياسي بين مختلف الأحزاب البعيدة عن التناغم.. صراع إنجر عنه التسيب والفوضى والجريمة وتعطيل مجمل الاستحقاقات ومنهاالتنموية.. وهكذا خاب أمل الشعب الذي صار بين فكي كماشة..بين شظف العيش وبين الاسفزازوالتعدي (الشرّ والشماته !) وهو جحيم لا يطاق اختزلته مشاهد القوارب المكتضة ب "الحراقة"،قواربُ موتٍ تراءت لهم قواربَ نجاة !!..وتختزله أيضا أعدادٌ كبيرة من الانتحارات الشنيعة التي فاقت مجمل ما سبقها من انتحارات على مدى عقود..وأيضا أعداد كبيرة جدا من المواطنين الذين يقبعون الآن في غياهب السجون، وما هم بمنحرفين أوبمجرمين وإنما دفعتهم الى هذا لحظة عجز عن إمساك الأعصاب في محيط ساد فيه التعدي والاستفزاز، فأودت بهم الى 5 أو 10أوحتى 20سنة سجنا!!.. وهكذا صارالمواطن العادي والمنحرف سواءً، كلاهما يُعزَل -كالبعير المعبّد- عن البقية.. التي تنتظر.. ولا ننسى أيضا تلك المجموعات السُّكانية المهاجرة مشيا على الأقدام الى بلد مجاور( لم يشهد مثلنا ثورة...ياسمين)طالبين التجنّس !! فهل هذا واحد من أهداف الثورة وقد تحقق !!؟ وهل هكذا تكون الحكمة والوطنية !!؟ (لوعثرتْ بغلة في العراق لسألني الله عنها لماذا لم تمهّد لها الطريق يا عمر) هذا ما كنا نسمع من وعود .. والآن صاركل الشعب عاثرا.. فهل يعقل أن تتحول تضحيات شعب الى مأساة وكوميديا ثورية!؟ لقد كانت الثورة في الأصل حلما قديما فتحقق بالإرادة الموحدة ، بها عدّل الشعبُ وصحّح وجهة التاريخ بأرقى أدوات الحضارة يؤرخ لها ذلك المشهد البديع في شارع بورقيبة يوم 14جانفي..مشهد ساحر خلاب ، ومرعب أيضا ..اهتز له قلب المخلوع ففرّ هو وزبانيته الى مزبلة التاريخ!.. في تقديري لا مخرج للبلاد إلا بتوافق جذري يشترك فيه الجميع (مجتمع سياسي ومدني)، ومن الممكن مثلا أنْ يتم استفتاء جميع الأحزاب والمجتمع المدني معا (عوضا عن استفتاء الشعب الذي قد يكون مُكلفا) فالبلاد في وضعها الراهن هي كمريض في الإنعاش،لا يحتاج شخصا قويا يحمله مفردا، وإنما تعاونا جماعيا بالرفق والوفاق..أما من يعتقد أنه قادرعلى تحمل المسؤولية مفردا فهو جد واهم..وسيسقط من فوق ظهر الثور الهائج كما سقط الذي سبق وهكذا حتى تُنهك البلاد نهائيا.. لقد فقدت البلاد صفة الدولة وتحولت الى فوضى وغابة، وكل هذا بسبب عملية شد الحبل بين الطرفين ترويكا - معارضة ، والحبل هوالشعب التونسي وأمعاؤه وأعصابه.. إنّ ما يحدث الآن هو تلاعب بالناروسيؤدي حتما الى الإنفجار.. ولكن أكثرهم في غفلة معرضون، تماما كما المخلوع.. الذي في آخرالمطاف قال كلمته "التاريخية" : غلطونِي ..والآن يبدو أنّ الجماعة سائرالى قولِها... إنّ السلطة حقا أفيون الأحزاب ، لقد أصاب ميشال فوكو في تحليله وقولته الشهيرة: Dès quصon touche au pouvoir, on cesse de savoir..le pouvoir rend fou.Ceux qui gouvernent sont aveugles; et seuls qui sont à distance du pouvoir,enfermés dans leurs poêles,dans leurs chambres,leurs méditations..ceux-là seuls peuvent .découvrir la vérité إنّه من الواجب تعديل المسار لحماية البلاد من الانزلاق نحو الانفلات النهائي..وهذا يستوجب "هدنة توافقية" لا تقل عن سنتين، تجنبا لانتخاباتٍ ينقصها التمهيد و التهيئة، تكون عبرحوارشامل ، حزبي واجتماعي، ينقّي الأجواء والنفوس فيجعل من الاختلاف تكاملا لا تصادما ،وهو شرط ضروري لابد منه للديمقراطية عموما( والليبرالية ، متعددة الأحزاب، خصوصا) فمن رابع المستحيلات قيادة بلاد بشكل ديمقراطي،كلا بنيتيها التحتية والفوقية متضررة!! إنّ الممسكين بالسلطة (وربما معهم أيضا المعارضة، باعتبارها «سلطة... سلبية») قد غرهم الغَرور.. فهم تنطبق عليهم حكاية كليلة ودمنة التي تروي قصة رجل هرب من فيل هائج وأرتمى في جبّ ،ومن "حسن حظه" علقت ثيابه بعود فلم يسقط في القاع (اللذي به تنّين ينتظر.. رِزقَه !).وبينما هو معلّق أبصر بجانبه خليّة نحل بها عسل ،(ولم يتنبه لجرذ كان يقرض العود!) فشغله العسل عن إدراك وضعه "الإنتقالي المؤقت".