هذا رأي القانون وهذه مواقف أهل الذكر.. - إعداد: إيمان عبد اللطيف - جاء في مسودة مشروع الدستور الجديد وتحديدا في باب الحقوق والحريات أن "حقوق الملكية الفكرية والأدبية مضمونة". الأمر مهم جدا لأن التنصيص على حقوق الملكية الفكرية والأدبية في الدستور يعكس رغبة في تحصين هذه الحقوق ضد محاولات ضربها أو الاستهانة بها وتهميشها لكن وإن سلمنا بقيمة بل بضرورة دسترة الحقوق الثقافية فهل يعني ذلك أننا خرجنا آليا من منطقة اللامبالاة ووفرنا المناخ المناسب للعمل الثقافي في إطار واضح ومنظم وبطريقة أخرى نتساءل هل أن الإشكالية كامنة في القانون الذي قد يحتاج إلى إعادة نظر ترافقها آليات تفعله أم هي كامنة في ثقافة تطبيق القانون وتفعيله. فإن كان وضع القوانين مسألة مهمة فإن الأهم من ذلك هو الحرص على تطبيقها خاصة إذا ما علمنا أن العمل الثقافي يمكن أن يكون بالفعل وليس بالقول عاملا مساندا للتنمية وسببا مهما في خلق مواطن الشغل بالتوازي مع دوره في التوعية والتثقيف والترفيه. فكيف يمكن أن نطور هذه الثقافة أي ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية والأدبية وحمايتها، فتصبح ممارسة يومية يطبقها العامة كما الخاصة حتى نلتحق بركب الدول المتقدمة في هذا المجال حيث كانت انقلترا أسبق الدول التي نظمت الملكية الفكرية بقانون الملكة "آن" الصادر سنة 1710 ثم تلتها بعض دول أوروبا الأخرى مثل إسبانيا والدانمارك. إشكالية تناولتها "الصباح" من مختلف الزوايا وخاصة من الجانب القانوني كما حاولنا أن نفهم الإشكاليات التطبيقية. تناولنا المسألة كذلك من وجهة نظر أهل الذكر فكان التحقيق التالي: "للملكية الفكرية والأدبية سلطة يمنحها القانون" عرفت المحامية ثريا أحمد التيجاني الملكية الفكرية والأدبية على أنها "لفظة عامة ينصرف مفهومها إلى حق الشخص في التصرف بوجه الملكية في كل ما يصدر عنه من إنتاج فكري سواء كان قولا أو رسما أو لحنا أو تركيبا تقنيا أو كتابة.. فهي إذن خروج عن المفهوم التقليدي للملكية أي الملكية العقارية والملكية التجارية للحديث عن ملكية من صنف آخر" وأضافت "إذا أردنا أن نعطي للملكية الفكرية تعريفا قانونيا فهي سلطة يعطيها القانون لفائدة شخص على كافة منتجات عقله ومجهوده الفكري بحيث تكون له صلاحية الاستئثار والانفراد بتلك الحقوق وهي تنقسم إلى قسمين ملكية أدبية وفنية وتشمل حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وملكية صناعية تشمل العلامات، الرسوم ونماذج براءة. الاختراعات.. فيتكفل بالتالي قانون الملكية الأدبية والفنية والمتفرع عن القانون المدني بحماية عبقرية الإنسان وتجليات شخصيته وبصيانة إنتاجه الفكري عن طريق ضمان حقوقه المالية والمعنوية وقد وضع القانون أيضا طبيعة وشروط اكتساب هذه الملكية وأفرز كذلك جزاء لكل من يعتدي عليها. وبالتالي فإن الاعتراف بالحقوق الفكرية والأدبية إلى درجة دسترتها يُعد قرارا ثوريا نادى به رجال القانون ومكونات المجتمع المدني وعلى رأسهم أهل القطاع والمعنيين بهذا المجال، فتضمين هذه الحقوق بالدستور هو اعتراف بأهميتها لما لها من تأثيرات متنوعة ومتفرعة من بينها التشجيع على الاستثمار الثقافي والتجاري في مجال الأدب والفكر والفن ودفع كل الراغبين لخوض هذه التجربة بما أن القانون والتشريع في تطور ملحوظ، فقد تم تنقيح أكثر من 70 بالمائة من القانون عدد 36 المؤرخ في 24 فيفري سنة 1994 آخرها كان بالأمر عدد 418 المؤرخ في 18 فيفري 2009 المتعلق بإحداث مجلس وطني لمكافحة التقليد وضبط مشمولاته وتركيبته وطرق سيره. يبقى الإشكال القائم هو غياب الوعي بهذه الحقوق، فمثلا عدد من الحرفاء ليست لديهم معرفة بالقانون الحامي للملكية الفكرية والأدبية، هذا الأمر سينسحب بالضرورة على مدى وعي الناس خاصة من العامة بهذه القضية وبالتالي احترام خصوصية الإنتاج الفكري والأدبي والفني وحماية حقوق مؤلفيها ومنتجيها. وزير الثقافة: "نأسف لعدم وجود هذه الثقافة في المشهد التونسي" أن تكفل حقوق الملكية الأدبية والفكرية في غياب منهجية عمل واضحة ومنظمة وهادفة يعد مسارا شاقا، فهذه الحقوق هي جزء من منظومة حقوق الإنسان وبالتالي فإن دسترتها تحسب خطوة مهمة ولكنها غير كافية يجب أن تتلوها خطوات أخرى أهمّها أن المؤسسة التونسية لحقوق التأليف يكون لها وجود قانوني فهذه المؤسسة تشتغل دون أي إطار قانوني وعلى هذا الأساس تعمل الآن وزارة الثقافة مع رئاسة الحكومة ومصالح التشريع من أجل أن تُبعث هذه المؤسسة بعثا قانونيا يمنحها صلاحيات حسب المعايير الدولية التي تنظم مثل هذه المؤسسات وبالتالي سيقع قريبا إصدار القانون المنظم لهذه المؤسسة. لا يخفى على أحد أن ثقافة حماية حقوق المؤلف واحترامها غير موجودة في ذهن التونسيين ولا حتى بوسائل الإعلام من حيث الممارسة أو التطبيق أو محاولة التبليغ والتثقيف زادها الانفجار المتواجد بالشبكة العنكبوتية، على عكس التطبيق في هذا المجال بالدول الغربية فإلى جانب أنها مكفولة فهي متغلغلة في عقولهم ثقافة وممارسة فعلى سبيل المثال اتصلت مؤخرا شركة "غوغل" العالمية تطلب من الحكومة التونسية أن تنخرط في هذا النظام حتى تمنحنا حقوقنا المادية والأدبية باعتبار أن هناك الكثير من المضامين الثقافية متواترة على محركات البحث بالأنترنيت. ما نأسف له هو عدم وجود هذه الثقافة في المشهد التونسي سواء كان لدى المواطنين العاديين أو حتى النخبة والهياكل المهنية وهو ما يجعلنا نسعى إلى تعميمها ونشرها بالاستئناس بالتجارب الدولية على غرار التجربة الألمانية والفرنسية ذلك أنه يوجد إطار تشريعي ينظم الاستعمال للمؤلفات بأنواعها بمبالغ رمزية يقع التصرف فيها مع المؤسسات المرجعية والهياكل المهنية والسينمائيين والمطربين والمصورين وغيرهم. محمد السالمي (المكلف بإدارة المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين) : ثقافة احترام هذه الحقوق إن نشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية والأدبية لتصبح ممارسة يومية يتطلب النظر في مسألتين الأولى متعلقة بطرق نشرها والثانية يبدأ بتفعيل آليات المراقبة التي ستباشر مع المعرض الدولي للكتاب ذلك أنه سيقع اعتماد أعوان محلفين من المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين لمعاينة المخالفات في مجال حق المؤلف، إلى جانب السعي إلى إبرام عدة اتفاقيات مع المؤسسات المستغلة للمنتوج الفكري والأدبي والفني وقد تم توقيع ثلاث اتفاقيات مع شركات الموزع الصوتي بالإضافة إلى أنه سيقع قريبا توقيع اتفاقية مع شركة "غوغل" العالمية. هذا المسار كان بطيئ الخطوات وتطويره تطلب سنوات عدة أبرز نقاط ضعفه أنه لم تُعْط له الصلاحيات القانونية اللازمة للمراقبة ومنها التتبع وبالتالي المحاسبة، فالمؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين هي مؤسسة عمومية غير إدارية تحت إشراف وزارة الثقافة بدأت نشاطها الفعلي في أواخر سنة 1997 وان كانت ممارسة حقوق المؤلف بدأت منذ سنة 1944 مع إحداث المكتب الإفريقي لحق المؤلف في عهد الاستعمار وهو فرع من شركة أساسات الفرنسية. وقد تم تعويضها في سنة 1966 بالجمعية التونسية للمؤلفين والملحنين وفي سنة 1997 تم تعويضها بهذه المؤسسة العمومية. المهمة الأساسية والقانونية هي التصرف الجماعي في حقوق المؤلفين في أصناف الموسيقى والأدب والمسرح والسينما وغيرها من الفنون. والمقصود بالتصرف الجماعي من حيث المبدأ هو أن يمارس المؤلف حقه بصفة فردية وبنفسه وباعتبار استحالة قيام المؤلف لوحده بمختلف طرق وأوجه استغلال مصنفه الموسيقي أو المسرحي أو الأدبي أو السينمائي على حاملات عدة (راديو، تلفزة، أنترنات، كاسات..) وباعتبار تعدد الأمكنة الجغرافية للاستغلال تم التفكير في الغرب في إحداث مؤسسات التصرف الجماعي سواء كانت خاصة أو عامة أو جمعيات. آراء أهل الذكر من داخل القطاع الثقافي القوانين نعم ولكن.. لأهل الأدب والفن آراء مختلفة تراوحت بين التفاؤل والتشاؤم، فبالنسبة للكاتب التونسي كمال الرياحي فإنه يرى أنه "يصعب في تونس الحديث عن حقوق الملكية الفكرية والأدبية" حتى أن مسألة دسترة هذه الحقوق "تبدو مسألة طوباوية جدا لأنه لابد أن نعترف بالمبدع والمفكر قبل أن نفكر في دسترة حقوقه ونضعها في قوانين وبنود وفصول" قائلا "هناك مشكل كبير وهو أننا اكتشفنا بعد 14 جانفي أن المجتمع التونسي يعاني من نسبة أمية كبيرة وهو ما يطرح إشكالا جوهريا كيف سيقع التعامل مع شعب نسبة كبيرة منه أمية والأمية في العالم اليوم لا تقتصر على القراءة والكتابة فحسب وإنما انسحبت على مدى المعرفة باللغات وبالثقافة الرقمية وهذه المسألة لها علاقة كبيرة بمؤسسات الدولة التي مازالت لا تحسن التعامل مع الأجهزة المتطورة مثل رقمنة الأعمال والكتب بجميع أشكالها" مضيفا "حتى أن المؤسسة وهي المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين التي من المفروض أن تكون حامية للحقوق أصبح من باب النكتة أن نستمع لأي مؤلف أو كاتب ذهب لتسجيل عمله فيها، باعتبار أنه لا وجود لمؤسسات تراقب من جهة ولا وجود لقانون يضمن المحاكمة والمقاضاة العادلة من جهة أخرى فاليوم وبعد الثورة نرى قضايا لم يقع الفصل فيها فما بالك بقضايا الإجرام في الفكر". شوقي الماجري المخرج السينمائي التونسي قال بدوره أنه "لا يمكن أن نتحدث عن ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية والأدبية ونشرها في غياب نصوص تشريعية تؤسس لهذه الثقافة وذلك من خلال تطبيقها على أرض الواقع، بإحداث قوانين وآليات مراقبة لهذه الحقوق وحامية لها ستخلق بالضرورة ثقافة واسعة لدى العامة كما لدى الخاصة، ودسترة هذه الحقوق من شأنها أن تكون خطوة للتأسيس لهذه الثقافة لكن ما بعد هذه الدسترة هو الأهم". فحماية هذه الحقوق وعلى حد قول الفنان التشكيلي سامي بن عامر سيجرنا إلى الحديث عن مدى الوعي بأهمية التأسيس لصناعة ثقافية وترتيب سوق الفن، "فالقوانين يمكن أن توجد ولكن الجدلية المطروحة كيف ستساهم هذه القوانين في تنظيم القطاعات ذات العلاقة بهذا المجال بما يضمن للمبدع الاستمرارية في الإنتاج من جهة وضمان مورد رزق من جهة أخرى في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وكل ذلك يجب أن يطرح في إطار المشروع الثقافي الذي نريد تأسيسه والذي يتطلب بدوره إرادة سياسية تعمل على وضع خطة عمل واضحة تستهدف تفعيل القوانين إلى جانب إيجاد آليات للتحفيز ونشر ثقافة حماية حقوق الملكية الأدبية والفكرية". في ذات السياق قالت الممثلة ليلى الشابي "لا تكمن المشكلة في الدسترة من عدمها، الإشكال يدور حول آليات تفعيل القوانين خاصة منها المتعلقة بالمراقبة والمتابعة القانونية لضمان حق المبدعين فحال لجوئهم إلى القضاء، وهذا يعود إلى عدم وجود مختصين للقيام بدور المراقبة فبقيت المسألة رمزية ولم ترتق إلى مستوى الجدية المطلوبة فلم تنغرس بالتالي هذه الثقافة في عقلية التونسيين لتصبح ممارسة يومية وبقيت قيمتها رمزية وحتى نخرج من هذه الجدلية على المشرّعين والفاعلين في هذا المجال أن يوضحوا المصطلحات وأن يقوموا بإيجاد آليات للحفاظ على الملكية قانونيا وأدبيا وهذه التوضيحات يجب أن تضاف في الدسترة إلى جانب حقوق الملكية الأدبية والفكرية الحقوق المرئية لأهميتها في المشهد الثقافي".
القانون والعصر تحولات كبيرة يجاريها القانون؟ ذكرت الأستاذة ثريا أحمد التيجاني أن المشرع التونسي سارع بحماية حقوق الملكية الفكرية منذ أواخر القرن التاسع عشر بموجب الأمر العلي المتعلق بملكية التآليف الأدبية والمصنوعات الفنية المؤرخ في 15 جوان 1889 فاعترف بالحقوق المتعلقة بها ووضع العديد من العقوبات كجزاء لكل معتد عليها. إلا أنه في إطار التحولات الكبيرة والسريعة والشاملة وأمام الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الحديثة أصبح قانون 1966 قاصرا على إيجاد كل الحلول القانونية لإشكاليات تطبيقية متزايدة بسرعة وتبعا لذلك صدر قانون 24 فيفري 1994 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية والذي اعترف للمؤلف بامتيازات ذات طابع أدبي والتي تتمثل في إتاحة المصنف للعموم ونسبته إلى مؤلفه باسمه أو باسم مستعار ومنع أي حذف أو تغيير أو إضافة أو تعديل دون موافقة المؤلف الكتابية ومنع كل مساس بذات المصنف، كما أورد حق المؤلف في سحب مصنفه من التداول وامتيازات أخرى ذات طابع مادي تتمثل خاصة في الحق الاستئثاري للمؤلف في استغلال مصنفه أو في الترخيص للغير في استغلاله عن طريق الاستنساخ أو التأجير التجاري أو الترجمة أو الاقتباس. وإلى جانب حمايته للمصنفات الفنية والأدبية التقليدية فإن هذا القانون يحمي كذلك البرامج المعلوماتية وحيث أن هذه الحماية هي من أهم الإضافات التي جاء بها قانون 1994 فاعتبرها مصنفات أدبية ظهرت خلال التطبيق عدة نقائص لهذا القانون هذا إلى جانب افتقاره للوسائل الإجرائية وعدم تنظيمه للوسائل الوقتية مما استوجب تنقيحه وإدخال بعض الإضافات عليه بمقتضى القانون عدد 33 لسنة 2009 المؤرخ في 23 جوان 2009. الاتفاقيات الدولية في المجال التي صادقت عليها تونس صادقت تونس على اتفاقيات عدة ذات العلاقة بمجال حماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية نذكر من أبرزها: *اتفاقية التبادل الحر بين الجمهورية التونسية ودول المجموعة الأوروبية الموافق عليها بالقانون عدد 34 لسنة 2005 المؤرخ في 11 ماي 2005 وخاصة منه المادة 23 حول الملكية الفكرية والمصادق عليها بالأمر عدد 1529 لسنة 2005 المؤرخ في 23 ماي 2005. * اتفاقية إقامة منطقة التبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية (اتفاقية أغادير) الموافق عليها بالقانون عدد58 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 وخاصة منها المادة 22 حول الملكية الفكرية والمصادق عليها بالأمر عدد 2176 لسنة 2004 المؤرخ في 14 سبتمبر 2004.