بقلم: كاظم فنجان الحمامي - يظهر الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام ما أحاط بها هذا الدين الحنيف من رعاية وعناية, وما أعطاها من حقوق كانت قد سُلبت منها في الجاهلية السابقة واللاحقة, فالحديث عن مكانتها في الإسلام ليس بدعاً من القول, بل هذا كتاب ربنا سبحانه وتعالى ليس فيه سورة, بل ولا آية, إلا وللمرأة فيها نصيب, إما بالاتعاظ وأخذ العبر منها, أو بمشاطرة الرجل أحكامها وتوجيهاتها, بل قد تنفرد عنه في كثير منها, حتى خصص الله للنساء سورة من السور الطوال في كتابه, وجعل لها في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن حصره من الأحاديث الخاصة بالمرأة, أمراً وتوجيهاً وإرشاداً وبياناً لمكانتها, ولم يسمح لأحد بالانتقاص من مكانتها, أو التقليل من شأنها, فهي الأم, وتحت أقدامها الجنة, وهي الزوجة الصابرة المكافحة المطيعة, وهي الأخت المؤازرة التي ترفع الرأس, والبنت المكللة بالعطف والحنان, وهي فوق ذلك كله ربة البيت, وعماد الأسرة, وملاذ العائلة, وأم الرجال الأفذاذ, والمدرسة التي إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق, فحاشاها أن تكون عورة, وحاشاها أن تكون مجلبة للعار. فالعَوْرَةُ في اللغة: سوءة الإنسان, وكل ما يستحيى منه, والجمع عَوراتٌ, والعَوْرَةُ أيضا كل خلل يتخوف منه, وعورات الجبال: شقوقها, والكلمة مشتقة من العور وليس من العار. وقد يطول بنا الحديث عن العورة والعار والعري, فمثل هذا النوع من النقاش لم ينته بين الفقهاء والدخلاء حتى يومنا هذا, خصوصا في المواضيع المتشعبة عن المرأة وخصوصياتها, ولسنا مغالين إذا قلنا إننا لو قمنا بجمعها وتكديسها فوق بعضها البعض فإنها ستغطي قمم الجبال, حتى قال بعضهم إن صوتها عورة, على الرغم من أن ظاهر الكتاب والسنة لا يدل على ذلك, ومنهم من قال: إن النساء ناقصات عقلا ودينا, ولا جدوى من تعليمهن, ويرون أيضا إن الجهل والغباء خصال متأصلة في تكوين المرأة من النواحي الفسيولوجية والدماغية, ويرون إن البلاهة والخبل نتائج متوقعة للنساء عندما يبلغن سن الشيخوخة, ووصل الغلو عند بعضهم إلى اتهام المرأة بالتسبب في خسائرنا المتعاقبة في الحروب والمعارك, بذريعة إنها لم تحسن إنجاب الرجال والقادة مثلما كانت تفعل في صدر الإسلام, وهناك الكثير من هذا اللغط الذي أطلقه أرباب الفكر الأعور في حملاتهم المتواصلة على النساء, وليس أدل على كلامنا هذا من شبكة اليوتيوب, التي سجلت خطاباتهم بالصوت والصورة ونشرتها بين عامة الناس.. بداية دعونا نقرأ هذه الرواية الطريفة التي تعكس صورة مشرقة من صور الإسلام في تعامله الإنساني المرن بين الرجل والمرأة.. تقول الرواية: لما جاء جرير بن عبد الله الحميري رسول أبي عبيدة من الشام إلى بيت الخليفة عمر بن الخطاب يبشره بالفتح استقبلته زوجته عاتكة وسألته عن أخيها سعيد بن زيد, فلما عاد عمر كان أول ما سأل جرير: هل سألتك عاتكة في شيء؟ فارتبك جرير, ونظر إليها في حرج, فقالت: أما وقد سألك الخليفة فلا تكتم عنه شيئاً, أخبره بالحقيقة.. فقال عمر: إذن سألتك عن أخيها سعيد بن زيد. قال جرير: نعم يا سيدي, وبشرتها أنه بخير. فقال عمر وهو يلحظ تعجب جرير: لو قلت لها أنه مات مقتولا لما قدمت إليك هذا الطعام.. فقالت عاتكة: ألا تحب يا مولاي أن أطعم الضيف وأكرمه؟. فقال عمر: بلى يا عاتكة, وددت لو فعلت ذلك دون أن تسأليه عن أخيك.. قالت عاتكة: وأي بأس في ذلك؟ فرد عمر مستنكراً: وأي بأس في ذلك ؟؟؟ عمدت إلى بشير المؤمنين كافة, فاتخذته بشيراً لك خاصة.. عاتكة: قد علمت أنك ستحاسبني حسابا عسيراً. عمر: ومع ذلك ما تحرجت ولا تألمت. عاتكة: وهل زرأت المسلمين شيئا حتى أتحرج أو أتأثم ؟ عمر: تلك حجة النفس الأمارة بالسوء. يوشك من لا يتحرج اليوم من هذا القليل أن لا يتحرج غداً من الكثير.. ألا ترون كيف تعاملت زوجة الخليفة مع جرير, وكيف استقبلته قبل قدوم زوجها, وكيف خاطبته, وتكلمت معه, وقدمت له الطعام والشراب وأكرمته, وكيف راجعت زوجها وتحاورت معه أمام الضيف.. دعونا الآن نراجع حديث (المرأة عورة), وهو من الأحاديث الضعيفة التي تعرضت للطعن والتجريح, فقد ورد الحديث بلفظ: "المرأة عورة, وإنها إذا خرجت من بيتها استشرقها الشيطان, وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها", رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر عن حبيب بن أبي ثابت, ورواه ابن خزيمة عن حبيب..