الزوبعة التي اثارتها التصريحات المتسرعة لرئيس كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق عندما قال «إن خالد مشعل وإسماعيل هنية نصحانا أثناء زيارتهما لتونس في الفترة الأخيرة بعدم التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور "ما كان لها أن تحدث لو تريث صاحبها ولم يشأ أن يضع نفسه والحركة التي يمثلها في موقف لا يخلو من الاحراج لا شك وأن النهضة التي تتزعم الترويكا في غنى عنه في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تتواصل فيها مناقشة توطئة الدستور. والأمر طبعا لا يتعلق بصحة ما كان النائب قد أعلنه من عدمه ولا بحسن نيته في قراءة موقف قادة حركة حماس من مسألة تجريم التطبيع وموقعه من الدستور ولكن بما هو أهم وأعمق من كل ذلك وهو بالتأكيد أم يكون الدستور الذي يتهيأ التونسيون لاكتشاف تفاصيل بنوده يجب أن يكون في حل وبمنأى عن أي نوع من التأثيرات أو التدخلات أو التوجيهات بأي شكل من الاشكال من أي طرف أو جهة أو بلد أو سلطة كانت وهذا يفترض أن يكون نابعا من قناعة راسخة لدى النواب المنتخبين بأن دستورنا لا يمكن الا أن يكون تونسيا في كل حرف وفي كل هدف منه ومن هنا فان الجدل ما كان له ان يثاراصلا سواء تم التوافق على أن يتضمن الدستور بندا خاصا بالتجريم أو سواء لم يتضمن ذلك. المؤسف في الجدال حول تصريحات السيد النائب وما تلاها من نفي من جانب مسؤولي حركة حماس ثم ما اعقبها من توضيحات واعترافات بالخطإ أنها تاتي لتحول القضية الفلسطينية مجددا الى حمالة للأسية لتصبح موضوعا للمزايدات السياسية ليس الا. فقد كانت مسالة تجريم التطبيع من المسائل الحاضرة بقوة في المعركة الانتخابية لحركة النهضة وحتى بعدها عندما سبق واعلن رئيس الحكومة خلال تجمع لانصاره ان تحرير القدس والخلافة السادسة يبدأ من هنا, وخلال زيارة اسماعيل هنية ومن بعده زيارة خالد مشعل خلال مؤتمر حركة النهضة التاسع كانت مسالة تجريم التطبيع شبه محسومة آنذاك ولا حاجة هنا للعودة الى ما حدث في هيئة حماية اهداف الثورة من صخب وانسحابات بسبب تجريم التطبيع من عدمه. ومن هذا المنطلق وسواء كان لحركة النهضة مناقشات عميقة أو دردشة حول هذه المسائل مع قيادات حركة حماس فان المسألة كان لها تداعياتها على حركة حماس التي واجهت بدورها انتقادات لاذعة من جانب مسؤولين في حركة فتح لم يتأخروا في توجيه اتهاماتهم للحركة بالانبطاح ومسايرة الانظمة الاسلامية الصاعدة في البحث عن تثبيت مصالحها وتامين المباركة الامريكية والاسرائيلية لها مقابل البقاء في السلطة والانقلاب عن سلاح المقاومة بل ان بعض المصادر الفلسطينية المرتبطة بحركة فتح ذهبت الى حد اعتبار أن النائب الصحبي عتيق «ليس له مصلحة في تقويل اخوانه في حركة حماس ما لم يقولوه لا سيما وأنهم اعضاء في حركة دولية واحدة وهي حركة الإخوان المسلمين «.. وبعيدا عن السقوط في استعراض سلسلة الاتهامات المتبادلة فان المؤسف دوما ان تبقى القضية الفلسطينية أسيرة الاهواء والصراعات السياسية قبل موسم الربيع العربي وبعده, ولعل الكثيرين يذكرون تصريحات الزعيم الفلسطيني الراحل المتهكمة عندما أشار مع انطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وما تبعها من استدراج للعواصم العربية لاحتضان مكاتب وتمثيليات تجارية اسرائيلية انه بات يخشى أن تكون السلطة الفلسطينية وراء الدعوة لافتتاح المكاتب الاسرائيلية في حينها.. خلاصة القول أن أصدق وأنبل الخطوات الداعمة للقضية الفلسطينية كانت تلك الخارجة عن الاطار الرسمي والمنبثقة من الحضن الشعبي وأبلغها تلك التي انطلقت منذ أربعينات القرن الماضي عندما آثرت مجموعات من الوطنيين العرب من تونس والجزائر وغيرها التنقل الى فلسطين على الاقدام لنصرة الشعب الفلسطيني في ملحمته النضالية وكانت تلك الحركات الأنبل في التاريخ لانها كانت بلا حسابات خفية او معلنة فكانت صادقة ولم تنتظر جزاء أو شكورا لذلك سجل التاريخ شرف مشاركتها وتضحيتها الموثقة.. كُثر هم الانتهازيون الذين طالما جعلوا من القضية الفلسطينية شعارا وأكثر منهم أيضا الذين تلاعبوا بأحلام الشعب الفلسطيني وشاركوا في تفاقم المآسي والقيود والانقسامات التي جعلته في موقف ضعف واهتزاز هو اليوم أكثر من يدرك أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وأن الرهان على أنظمة وقيادات عربية تفتقر للخبرة السياسية ولا تزال تتحسس طريقها للخلاص وتثبيت مسيرتها من أجل الديمقراطية أضعف ما تكون على الاقل في الوقت الراهن من اعادة دفع القضية الفلسطينية أو تحقيق العدالة الدولية والشرعية المفقودة... آسيا العتروس