كان لجمهور المسرح موعد عشية السبت 3 نوفمبر مع العرض الأول لمسرحية (صرخة) وهي مسرحية من إنتاج جمعية "هيبودياريتوس" للمسرح ببنزرت أخرجها واقتبسها لطفى التركي وصمّم الديكور فيها عمر الرباعي وقامت بالتمثيل مجموعة من الممثّلين الشّبان على رأسهم الممثّل لطفى التركي الذّي له عديد التجارب في التمثيل المسرحي والتلفزي.. والمسرحية "صرخة" أرادها أصحابها في وجه مظاهر الفساد المادّي والفكري الذّي يسود واقعنا وهي دعوة إلى الوعي بهذا التشّوّه الذي أصاب القلوب والمكان من خلال تراكم الأوساخ في المدينة وهي دعوة إلى مواجهة أنفسنا ونزع الأقنعة عن وجوهنا لنكتشف ذاتنا والآخرين على حقيقتهم ولذلك فإنّ العبرة التّي أرادت المسرحية أن تحصل للمتفرّج هي تلك التي وردت على لسان إحدى الممثّلات وكانت ترمز في رأينا إلى صوت الضمير أو الحكمة وهي (نور القلب هو السبيل إلى نور الواقع) وإضاءة المكان والمدينة من حولنا وتطهير حياتنا من الأدران والسلبيات يكون بتغيير ما بأنفسنا من جهل وعمى البصيرة لأنّنا وحدنا نتحمّل مسؤولية الوسخ الذّي يحيط بنا ويعشّش في قلوبنا وتفكيرنا وقد انعكست هذه الفكرة على سينوغرافيا العرض التي صمّمها لطفى التركي إذ انقسم المشهد المسرحي إلى لوحتين لوحة صندوق القمامة وظلمة المكان وما يقترن بذلك من انحطاط الواقع ومن تشوّه شخصية الأفراد وتلوّثها ومن فساد الأمكنة التّي تحيط بها الأوساخ والآفات من كلّ نوع في حين تتحوّل اللّوحة الثّانية على مستوى السينوغرافيا والديكور إلى قناديل مضيئة وغياب لصندوق القمامة في إشارة إلى تحوّل الواقع إلى نور ونظافة وجمال. لقد نجح هذا العرض الأول لجمعية "هيبودياريتوس" (وهو الاسم القديم لبنزرت) نجح جماهيريا من خلال امتلاء قاعة العرض لدار الثقافة الشيخ ادريس بالحاضرين حتّى إنّ العديد منهم تابع العرض واقفا ونجح من خلال شدّ انتباه هذا الجمهور وافتكاك إعجابه وتحقيق تفاعله مع المسرحية وقد حصل ذلك خاصّة بفضل حسن اختيار المؤثّرات الصّوتية وطرافة بعض المشاهد مثل مشهد حمل المصابيح المشتعلة من قبل الممثّلين وتجوّلهم بين المتفرّجين على أنّ العرض الذّي كان للممثّل لطفى التركي دور في نجاحه لشهرته بين جمهور المسرح ولحرفيته الواضحة لا يخلو في رأينا من بعض المآخذ من ذلك أنّنا لم نفهم سبب اعتماد العربية الفصحى لغة للمسرحية رغم البعد الاجتماعي والأخلاقي لمضمونها خاصّة أنّ استعمال العامية كان يمكن أن يزيد من شدّ انتباه المتفرّجين كما أنّ العرض سقط في بعض مراحله في الوعظ المباشر وإلقاء الدّروس للمتفرّج ممّا يذكّرنا بالمسرح التعليمي التقليدي كما أنّ هذا يتعارض مع البعد الترميزي للفنّ وينقص من القيمة الفنّية للعمل المسرحي المتأتية أساسا من الاستعارات واستغلال المؤثّرات الصوتية والمرئية فضلا عن إحكام البنية الدراماتورجية للأحداث.