بن عروس: نسبة تقدم موسم الحصاد تتوزع بين 80 بالمائة للشعير و20 بالمائة للقمح    ليبيا تؤكد دعمها ''لقافلة صمود'' وتجدّد موقفها    عاجل/ مقتل جميع ركّاب الطائرة الهندية    تطورات الحالية الصحية للاعب حمزة المثلوثي    استعدادا لبطولة العالم (بولونيا 2025) : المنتخب التونسي للأواسط ينهزم وديا 27-29 امام منتخب الاكابر    مونديال الأندية 2025 : حضور عربي كبير... تعرف على أكثر الجنسيات تمثيلا    طرق فعّالة لإزالة بقع الحبر من الملابس البيضاء باستخدام مكونات منزلية    تونسي تعيش في الخارج تحب تشري دار بالحاضر...تعرف على الخطوات    ''الميكرووند'': شنيا يسخن فيه وشنيا خطير؟ دليلك الكامل للاستعمال الآمن    أعلى 5 حراس من حيث القيمة التسويقية في كرة القدم العالمية    نابل: انزلاق حافلة صغيرة يسفر عن إصابة 9 أشخاص بجروح خفيفة    عاجل/ رصد متحوّر كورونا الجديد في هذه الدولة..    كيف نجحت وزارة الصحة في الحد من أخطر موجات التسمم سنة 2024؟    عاجل/ مسيرة نصرة غزة: مصر توقف 200 ناشط من أميركا وأستراليا وأوروبا والمغرب والجزائر..    جندوبة: وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية ياذن بفتح بحث تحقيقي اثر العثور على جثّة طفل باحدى البحيرات الجبلية    البكالوريا 2025: محطة فخر واعتزاز في مسيرة 13 عامًا من الجهد    دار الثقافة السليمانية تنظم الدورة الثانية من مهرجان "في بلاد الأطفال" من 24 إلى 26 جوان 2025    الدورة الخامسة لمهردجان 'نظرات على الوثائقي' من 19 الى 21 جوان الجاري بمدينة الثقافة    الجيش الإيراني يبدأ سلسلة مناورات عسكرية مفاجئة    الجزائر حاضرة بقوة في معرض صفاقس الدولي    وزير التشغيل الأسبق: قانون منع المناولة في تونس هو موجة ارتباك وعمليات للطرد    عاجل : تعرف على مواعيد مباريات العرب فى كأس العالم للأندية 2025    نابل: مؤشرات سياحية واعدة وعودة الأسواق التقليدية    تأجيل إضراب معهد صالح عزيز إلى يوم 18 سبتمبر 2025    الحماية المدنية : 584 تدخلا منها 139 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    طفلة تفر من منزل والديها فحول وجهتها طفل واغتصبها !    عاجل: ''بورس'' ممولة بالكامل للطلبة التونسيين من 4 حكومات.. تعرف على الآجال، الشروط، والمستويات الدراسية    كأس العالم للأندية: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    تونس دون قطارات ليومين..    المنستير: عروض متنوعة في الدورة 13 لمهرجان محمد الحبيب ابراهيم للمسرح ببنبلة من 12 إلى 15 جوان    تنبيه/ اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه الجهة..#خبر_عاجل    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدر قرارا ضد إيران    إعطاء إشارة الانطلاق لإعداد مخطط التنمية للفترة 2026- 2030 لقطاع التجهيز والإسكان    5 فواكه تُعزز عملية إزالة السموم من الكبد..تعرف عليها..    المنستير: وصول أول رحلة إياب للحجيج الميامين بمطار المنستير الحبيب بورقيبة الدولي    كأس العالم للأندية : الإنقليزي غريليش خارج قائمة مانشستر سيتي    عدد القوات الأمريكية المنتشرة في لوس أنجلوس تجاوز عددها في العراق وسوريا    مقتل 49 شخصا في فيضانات جنوب أفريقيا    ابن تامر حسني بالعناية المشددة ثانية    بالأرقام: هجرة 40 ألف مهندس من تونس...مالذي يحصل؟    مصر تصدر بيانا توضيحيا حول تخصيص قطعة أرض بالبحر الأحمر    نبيل معلول يعود للتدريب في الكويت من جديد    الإحتفاظ بعسكري و4 أشخاص من أجل هذه التهمة..#خبر_عاجل    اليوم: طقس صاف والحرارة تصل إلى 41 درجة مع ظهور الشهيلي    قافلة "الصمود" تواصل طريقها نحو معبر رفح وتفاؤل بإمكانية العبور إلى الأراضي المصرية    وزارة المالية: قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس    إيطاليا تتوج «رقوج» والتلفزات العربية تشيد ب«فتنة» الدراما التونسية ... نحو العالمية    محمد بوحوش يكتب: في ثقافة المقاومة    غفت أمّة يعرب وطالت هجعتها    اُلْمُغَامِرُ اُلصَّغِيرُ وَاُلْأَسَد اُلْأبْيَض    وزارة المالية.. قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس 2025    عاجل/ رئيس لجنة الفلاحة بالبرلمان: "حرائق الحبوب في تيبار غير بريئة"    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    عاجل: متحور ''نبياس'' يصل إلى 11% من الإصابات عالميًا... وتونس بلا أي حالة حتى الآن!    المخرج علي العبيدي في ذمة الله    المنستير: مواطن يذبح خروفه فوق السور الأثري يوم العيد...    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    









ادفعوا كلمة "تدافع" خارج الدستور
نشر في الصباح يوم 08 - 11 - 2012

بقلم: الدكتور محمّد الحدّاد - من المسائل التي أثارت الجدل خلال النقاش الأخير المنعقد في رحاب المجلس الوطني التأسيسي، حضور كلمة "التدافع السياسي" في مسودة مشروع الدستور التونسي،
فقد بدا للبعض أنها تعبّر عن وجهة نظر إسلامية، وهذا أمر يتطلب المراجعة والتصحيح، لإنّنا إذا أمعنّا النظروجدناها كلمة فاقدة لكل معنى ولا محلّ لها في هذا السياق لا من ناحية اللغة ولا من ناحية القانون، والأهم أنه لا يوجد ما يبرّر وجودها من ناحية الشرع أيضا.
فأما لغة، فلأنّ التدافع يحمل معنى القوة والعنف، وادفعوا أي أزيلوا، يرد في "لسان العرب" لابن منظور، وهوأهمّ معجم في اللغة العربية والمعتمد في تدقيق مفرداتها وتراكيبها: "الدفع الإزالة بقوّة... وتدافع وتدافعوا الشيء دفعه كلّ واحد منهم عن صاحبه، وتدافع القوم أي دفع بعضهم بعضا". وفي الاستعمالات اللغوية الحديثة يقال مثلا في المباريات الرياضية: "تدافع الجمهورأمام الملعب". والتدافع في العربية يعني بالضبط ما يقال له بالدارجة التونسية "الدزّان". فلا يليق في الدستورأن نحيل على صورة فيها العنف والتعدّي على الآخر وقلّة النظام والانضباط، لا سيما أن أصل الدستور هو إقامة النظام العادل والمنضبط للممارسة السياسية السليمة.
وأمّا قانونا، فإن الدساتير تكتب في لغة واصطلاحات معلومة عند أهل الاختصاص، ولا نجد كلمة تدافع في دساتيرالدول الديمقراطية، ولا في المعاجم والموسوعات المخصصة للمصطلحات القانونية والدستورية. ومن المعلوم أن لغة الدستور ليست لغة إنشائية أدبية بما أنه يترتّب عليها نتائج قانونية، فلا بدّ أن تكون لغة قانونية دقيقة. ويتأكّد الأمر إذا ما اعتبرت توطئة الدستور جزءا منه، فلا يصحّ أن يكتب إلا باللغة التي يعتمدها أهل القانون.
وأما شرعا، فإنّ البعض يظنّ أنه يستمدّ الكلمة من القرآن الكريم، وهذا خطأ كبيرفي الفهم وتشويه لمعاني القرآن. فقد ورد في الآية 251 من سورة البقرة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض". وورد في الآية 40 من سورة الحج: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا".
وقد أجمع المفسرون على أن الدفع (وفي قراءة: دفاع) يقصد به القتال بين الكفار والمسلمين، فقد وردت الآية في سورة البقرة مباشرة بعد قصة طالوت وجالوت التي قتل فيها داود المؤمن ملكا كافرا، فهي قصة ترمز لصراع الشرّ والخير والكفر والإيمان.
يقول الطبري في تفسير كلمة "دفع" : "ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده محاولين مغالبة حزب الله وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عمّا قد تضمن لهم من النصرة، وذلك هو معنى مدافعة الله عن الدين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه". فالتدافع هو بين الكفّار والمؤمنين، وبين حزب الله وحزب الضلال، وهذا أمر يخرج بنا عن مضامين الدستور ومتطلباته.
وهذا المعنى الذي قرّره الطبري قد ذهب إليه كلّ كبار المفسّرين، يقول الزمخشري: «ولولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض ويكيّف بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطّلت مصالحها من القوت والنسل وسائر ما يعمرالأرض. وقيل: ولو لا أن الله ينصر المسلمين على الكفّار لفسدت الأرض...».
ويقول فخرالدين الرازي:" الدافعون هم الأنبياء وأئمة الهدي فإنهم الذين يمنعون الناس عن الوقوع في الكفر". ويقول الشيخ الطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": "إنّ دفاع الناس بعضهم بعضا يصدّ المفسد عن محاولة الفساد، ونعني شعور المفسد بتأهّب غيره لدفاعه يصدّ عن اقتحام مفاسد جمّة".
فقد اتضح أنّ التدافع لدى المفسّرين الذين تعتمد أقوالهم إنما هو محاربة الكفر بالإيمان والفساد بالصلاح والشر بالخير، فلا علاقة له أصلا بالسياسة والمنافسة الحزبية والمسارالديمقراطي. فليس موضوع السياسة الكفر والإيمان، ولا تنقسم الأحزاب السياسية إلى حزب الله وأنبيائه وحزب الشيطان وأوليائه، وإنما الأحزاب جميعا تعبّر عن وجهات نظر مختلفة في تسيير البلد، وتتنافس بينها لضمان التسيير الأفضل. ولم يتحدّث القرآن في الآيتين المذكورتين عن العمل السياسي، وإنما تحدّث عن صراع الكفروالإيمان، فإذا طبّقنا المفهوم القرآني خارج سياقه الأصلي فسيترتّب على ذلك تقسيم الأحزاب السياسية بين كافر ومؤمن وخيّر ومفسد، وسنسلّم لأحدها بأنها "حزب الله" كما قال الطبري-، الذي يدفع أحزاب الشيطان، وسنجعل رئيس ذلك الحزب في مقام الأنبياء الذين نشروا التوحيد، فأيّة علاقة لهذه الصورة بدستور دولة ديمقراطية مدنية قائمة على التعددية الحزبية؟
ثم إن تحريف المعنى القرآني الأصلي لغاية سياسية حزبية إنما حصل مع سيّد قطب في تفسيره "الظلال"، فقد خرج على إجماع المفسرين وزعم أن الدفاع المذكور في الآية إنما يحصل "بقيام الجماعة الخيّرة المهتدية المتجرّدة، تعرف الحق الذي بيّنه الله لها، وتعرف طريقها إليه واضحا، وتعرف أنها مكلّفة بدفع الباطل وإقرارالحقّ في الأرض، وتعرف أن لا نجاة لها من عذاب الله إلاّ بأن تنهض بهذا الدور النبيل وإلا أن تحتمل في سبيله من تحتمل في الأرض طاعة لله وابتغاء لمرضاته"، وهو يقصد بذلك "جماعة الإخوان المسلمين". ولا يخفى ما ترتّب على هذه الانحرافات بالمعنى القرآني من انتشار النظريات التكفيريّة، والخلط بين العمل السياسي القابل للاختلاف والتعدّد، والعمل الدعوي الذي يرتبط بثوابت العقيدة.
فالخلاصة: إن كلمة تدافع لا محلّ لها في نصّ الدستور ونقترح استبدالها بعبارة:" المنافسة السياسية" أو"المنافسة السياسية المنضبطة بأحكام الدستور".
جامعي ورئيس المرصد العربي للأديان والحريات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.