يبدو أن التجاذبات السياسية القائمة اليوم والناجمة خاصة عن حالة الاستقطاب السياسي الثنائي الممثل في حركة النهضة ونداء تونس كان لها الفضل في ولادة تحالفات سياسية جديدة وخيارات قد تعدل الكفة وتفتح الأفق أمام الناخب التونسي في الانتخابات القادمة. لكن ورغم التنبيه والتحذير من الاستقطاب الثنائي وتدعياته السلبية، إلاّ أنه بات أمرا واقعا تجسدت تداعياته في انتشار ظاهرة العنف السياسي المتبادل. ورغم تحذيرات المحللين السياسيين من ان ينتج الاستقطاب الثنائي ديكتاتورية جديدة الا ان القوى السياسية الممثلة في حزبي حركة النهضة ونداء تونس يلتقيان في نفس المشروع والهدف وهو «السلطة» مما يطرح فرضية امكانية تقاسم هذين الحزبين السلطة من خلال تشكيل تحالف لخوض المسار السياسي مستقبلا، فإلى أي مدى يصح هذا القول، وهل يمكن أن يتحول الصراع والعداء السياسي بين أكبر غريمين على الساحة السياسية التونسية ما بعد الثورة إلى تحالف استراتيجي في صورة فوزهما في الانتخابات المقبلة؟ وهل يمكن أن يؤدي فشل ردم الهوة الوسطى بين القطبين من قبل التحالفات والجبهات السياسية التي تشكلت حديثا على غرار الجبهة الشعبية، وحزبي المسار والجمهوري، والتحالف الديمقراطي.. وغيرها من التحالفات والأحزاب التي تسعى جاهدة لاستغلال حالة الاستقطاب واقناع أكبر عدد ممكن من الناخبين بخيارات الطريق الثالث... رأى مصطفى التليلي جامعي وحقوقي انه لا توجد مؤشرات تدل على انه من الممكن التحالف بين حركة النهضة ونداء تونس لاسباب جوهرية وهي التباعد في الافكار والمواقف. ولان المشهد السياسي في تونس مازال متحركا ومرشحا لبروز أقطاب سياسية جديدة اكد التليلي انه من الممكن بروز تحالفات قد تلتقي في عديد المواقف مثل نبذ العنف والمناداة بالحفاظ على مكاسب المرأة والحقوق والحريات. الساحة السياسية لم تبح بكل أسرارها نفى القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي ان تكون الساحة السياسية في حالة من الاستقطاب بين حركة النهضة ونداء تونس في وضع تشهد فيه الساحة السياسية عديد القوى الفاعلة وأحزاب سياسية كبرى وعريقة مثل الحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي إلى جانب بروز الجبهة الشعبية وشخصيات وطنية مستقلة زيادة على الحراك الذي يشهده المجلس التأسيسي لإيجاد تحالفات وكيانات سياسية جديدة. وحسب الجلاصي فان الساحة السياسية في تونس «لم تبح بعد بكل أسرارها وهو ما يدحض فكرة الاستقطاب الثنائي.» واستبعد القيادي في حركة النهضة إمكانية التحالف بين حزبه وحزب نداء تونس لأنه ليس من الممكن التحالف مع هذا الكيان الذي ينم عن محاولات لإعادة أو لانتاج القوى السياسية التي اعتمد عليها بن علي في ضرب الحريات بعد انتخابات 1989 على حد قوله. ووصف الجلاصي نداء تونس بأنه «مركب من قوى تجمعية ومن يسار استئصالي ومن رأس مال فاسد يوظف عالم الجريمة ويحاول ان يخلق فزاعات في البلاد ولا زال يسعى إلى تكريس ثقافة الاستئصال، كما ان برنامجه يرتكز على التصدي للبرامج الأخرى وليس التبشير بخيارات خاصة به". انعدام مؤشرات التحالف وأكد لزهر العكرمي الناطق الرسمي باسم حزب نداء تونس ان مؤشرات تحالف حزبه وحركة النهضة منعدمة إضافة إلى الاختلاف الواضح بين الحزبين في الرؤى والبرامج. وعلى عكس ما جاء على لسان لزهر العكرمي فقد أكد الباجي قائد السبسي مؤسس حزب نداء تونس مؤخرا في حوار تلفزي مع إحدى القنوات الأجنبية أنه «ليس لديه اي مشكل في ان يحكم مع حركة النهضة». ورغم استبعاده لامكانية التحالف في الوقت الراهن بين الحزبين المذكورين حسب سمير بالطيب عضو المجلس الوطني التأسيسي الا ان في المجال السياسي ما هو مستبعد اليوم جائز مستقبلا. بين البقاء والعودة إلى السلطة ولم يستبعد محمد الحامدي الناطق الرسمي باسم التحالف الديمقراطي تحالف حركة النهضة ونداء تونس لأنهما يلتقيان في مسالة وهي ان الأول ليس له مشروع سوى البقاء في السلطة والثاني لا مشروع له إلا العودة إلا السلطة. استقطاب مغشوش فيما لاحظ محمد مزام منسق التنسيقية الوطنية للجبهة الشعبية ان ما تشهده الساحة السياسية هو دفع للبلاد نحو استقطاب «مغشوش» بين حزب حركة النهضة ونداء تونس وهذا لا يخدم مصلحة تونس لان هذين الطرفين لا يختلفان كثيرا من حيث رؤاهما وبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن اعتبارها امتدادا لنفس الخيارات السابقة. وقال «ان الحزبين يلتقيان بشكل عام في انتهاج نفس السياسة الخارجية فمثلا رفضت كتلة حركة النهضة بالمجلس التأسيسي تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور الجديد في المقابل لم يكن لحزب نداء تونس موقف واضح من هذه المسألة. جهاد الكلبوسي
مكامن الاختلاف ونقاط التقارب بين النهضة ونداء تونس يمكن أن نفرّق بين حركة النهضة باعتبارها ذات مرجعية دينية اسلامية في حين مرجعية نداء تونس هي مرجعية حداثية مدنية. ما يميّز حركة نداء تونس، هوعدم وجود الوحدة الايديولوجية والانضباط «الفكري» الذي نجده لدى النهضة. فحزب نداء تونس يتشكّل من ليبراليين ودستوريين وحداثيين ويساريين ديمقراطيين وهو حركة مفتوحة لأكثر من طرح ورؤية.. الوحدة الايديولوجية للنهضة ومرجعيتها الاسلامية سوف تجعلها تؤسّس لمجتمع على النمط الاسلامي، أو على الأقل يتوفر على الحدّ الأدنى منه. يعتبر حركة نداء تونس حزبا حداثيا علمانيا لا يحاسب الناس على الأساس الديني، بل على الأساس الوضعي، أي وفقا للقوانين والنواميس التي يضعها المجتمع وتسنّها الدولة عبر مؤسساتها ويعتبر نداء تونس ان الدين الاسلامي، والعروبة هما عنصران مكونان لهوية الشخصية التونسية. عكس حركة النهضة، التي لا يطرح فيها فكريا مفهوم الشعب التونسي بل تطرح فيها فكرة الأمة الاسلامية وهنا يطرح مفهوم الأمّة. من نقاط الاتفاق بين حركة النهضة وحركة نداء تونس ترتكز على نمط الانتاج الرأسمالي. كلاهما يعتقد سياسيا في الدولة البرجوازية وكلاهما يعتقد في نمط الانتاج الرأسمالي ويعتبران أن الدولة لا يمكنها أن تسيطر على الاقتصاد أو توجهه بل تكون المبادرة أساسا للقطاع الخاص وهي من ثوابت الحزبين فهما بالمعنى الاقتصادي حزبان ليبراليان لا يختلفان اقتصاديا لهما نفس الارتباطات الاقتصادية بنفس الدوائر المالية وبالتالي السياسية.