بقلم: نواف الزرو - تعود فلسطين في هذه الايام لتحتل من جديد المشهد الاعلامي والديبلوماسي الاممي، بعد ان اقصيت وهمشت الى حد كبير، في ظل الحراكات والاحداث والحروب العربية، ويعود الفضل في ذلك الى عنوانين كبيرين في المشهد الفلسطيني، الاول هو حرب غزة الاخيرة، التي سجل فيها الفلسطينيون ردعا عسكريا مذهلا ومفاجئا ل"اسرائيل" والعالم، وانتصارا معنويا وسياسيا عظيما، والثاني هو المشروع الفلسطيني المقدم للامم المتحدة للحصول على اعتراف اممي بفلسطين "دولة غير عضو"، وهو التوجه الفلسطيني الذي اعتبرته "اسرائيل" تهديدا استراتيجيا لوجودها، كونه يتحدث عن دولة فلسطينية، وان كانت بلا ارض او حدود او سيادة، الا ان الدلالات السياسية والحقوقية الشرعية والقانونية والاخلاقية التي ينطوي عليها المشروع -الذي تم التصويت عليه الخميس الماضي، وحصلت فلسطين على عضوية الاممالمتحدة بموجبه- هي ما يقلق ذلك الكيان. الى ذلك، وبينما تصادف في هذه الايام الذكرى الخامسة والستون لقرار تقسيم فلسطين، الى دولتين عربية ويهودية، وبينما اقامت المنظمات الصهيونية في ذلك الوقت "اسرائيل" على نحو أربعة أخماس مساحة فلسطين على حساب تدمير المشهد العربي الفلسطيني وتشريد الشعب العربي الفلسطيني، فان السؤال المزمن المتجدد في كل عام وكلما حلت ذكرى قرار التقسيم هو: متى تقوم يا ترى الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا للقرار الدولي المشار اليه، ووفقا لجملة اخرى من القرارات الدولية التي تتحدث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وعن اقامة الدولة الفلسطينية..؟ كان قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 /11 /1947 أول قرار دولي يدعو إلى تقسيم فلسطين وإقامة دولتين عربية ويهودية.. ! ولذلك تتراكم الاسئلة الكبيرة على اجندة التقسيم والدولة اليوم بعد خمسة وستين عاما على القرار: ألم تنضج الظروف المحلية والإقليمية والدولية يا ترى لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة..؟! ألم تنضج الظروف الإسرائيلية على نحو خاص الرسمية والشعبية على حدّ سواء للقبول بالدولة الفلسطينية المستقلة..؟! متى وأين بالضبط ستقام الدولة..؟!، وما مساحتها وحدودها ومضامينها..؟!، وماذا سيحل بالقضايا الجوهرية المعلقة مثل "حق العودة للاجئين" و"القدس والمقدسات" و"المستعمرات اليهودية" و"الحدود"..؟! ثمّ والأهم من كل ذلك ما المضامين السيادية للدولة الفلسطينية العتيدة..؟! أم هناك خيارات أخرى بديلة للدولة الفلسطينية المستقلة..؟!! فالواضح أن سؤال الدولة الفلسطينية هو السؤال الأكثر تفجراً في العلاقة الفلسطينية/الإسرائيلية، والجدل بين الجانبين حوله هو جدل تاريخي وسياسي واستراتيجي، تحول في السنوات الأخيرة إلى جدل حربي ملغم بالتهديدات الإبادية، في ظل حرب إعلامية/نفسية/معنوية/تحريضية متفاقمة ساهمت إلى حدّ كبير في تكريس تلك الخلفيات التاريخية للصراع، فإن كان الهدف الفلسطيني الكبير والعريض من وراء كل قصة "عملية المفاوضات والسلام" هو في المحصلة تحقيق "حق تقرير المصير" و"إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة"، فإن الهدف الإسرائيلي الكبير والعريض من وراء كل قصة "عملية المفاوضات والسلام"، هو تكريس "إسرائيل - دولة يهودية" كحقيقة قائمة أولاً، "والحصول على الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية" لهذه الدولة ثانياً، ثمّ ضمّ نسبة كبيرة تتراوح حسب المشاريع السياسية الإسرائيلية ما بين 40 - 60 % من مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ثالثاً، ثمّ "تخليد القدس الموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد" رابعاً، ثمّ "تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني الحقيقي وبناء الدولة المستقلة" خامساً، و"ضمان التفوق والهيمنة الاستراتيجية الإسرائيلية على المنطقة كلها" سادساً. إن جملة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، توفر الغطاء الدولي القانوني الشرعي للحق الفلسطيني في تقرير المصير، وحق العودة وبناء الدولة المستقلة، وقد اعترفت تلك القرارات بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ومن ضمنها حق العودة وحق تقرير المصير وحق وشرعية مقاومة الاحتلال باستخدام كافة الوسائل المتاحة، لذلك فإن الحديث الفلسطيني العربي عن العودة للشعب الفلسطيني إلى وطنه وممتلكاته وعن اقامة الدولة الفلسطينية يستند بالأساس إلى قرارات الشرعية الدولية المتراكمة مع وقف التنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي المتصهين والبلطجة الإسرائيلية المنفلتة، والمطالبة بحق العودة للفلسطينيين واقامة الدولة، مسألة شرعية مثبتة في تلك القرارات الدولية التي تحتاج في مقدمة ما تحتاج لتطبيقها الى ان يراجع المجتمع الدولي سياساته اما المتفرجة او المنحازة لصالح "اسرائيل"، وان تراجع الولاياتالمتحدة سياساتها وحساباتها ايضا، في الوقت الذي من الأولى والأصح أن يراجع العرب بدولهم وجامعتهم وانظمتهم السياسات والمواقف العربية، التي أوصلت الأمة الى هذا الحال التي هي عليه اليوم..! تحتاج فلسطين في ذكرى التقسيم وفي اليوم العالمي للتضامن معها، وبعد ان حصلت على عضويتها في الجمعية العامة، الى تحشيد كل الطاقات والقدرات على صعيد المجتمع الدولي من أجل إجبار "إسرائيل" على التنفيذ...؟ ----