هم أطفال تحت سن الثانية عشرة.. كانوا يلعبون مثل كل أطفال العالم.. في حقل في مخيم جباليا بقطاع غزة.. وفجأة اصابهم صاروخ اسرائيلي ليتركهم أشلاء. هو رضيع لم يتعد عمره الستة أشهر استهدفه ومن معه قصف جوي وهو نائم في منزله ليلتحق بعشرات الشهداء في ظرف يومين فقط.. هي صور ومشاهد فظيعة تتناقل يوميا على مسمع ومرأى من العالم ومع تكرّرها اصبحت «عادية» أو تكاد لدى البعض. ذلك هو «قدر» أطفال فلسطين في ظل احتلال استيطاني يستمد شرعيته من استباحة كل محظور.. لقد تجاوز عدد الشهداء خلال اليومين الماضيين الثلاثين شهيدا ثلثهم من الاطفال في موجة من التصعيد العسكري الخطير مقترنة بالتلويح بعملية عسكرية واسعة في غزة تعيد الاحتلال للقطاع من جديد. ولم تكتف آلة القتل الاسرائيلية بحصد أرواح العشرات من المدنيين الأبرياء خلال أسبوع فقط بل هدّد نائب وزير الحرب بالقول ان اسرائيل ستحول غزة الى «محرقة كبيرة». ويبدو أن هذه العبارة السحرية «الهولوكوست» او «المحرقة» التي نادرا ما تستخدم في اسرائيل خارج مزاعم المحارق النازية المرتكبة بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.. والتي اصبحت قاعدة تستمد سحرها من سياسة الابتزاز والمساومة التي دأبت على تسويقها القيادات الاسرائيلية المتعاقبة على امتداد عقود يريدها اليوم أولمرت وباراك محرقة حقيقية في غزة بعد أن جعلا من القطاع أكبر معتقل جماعي في العالم بعد تطويقه بحصار جائر وغلق منافذه ومناطق العبور وفرض الشلل التام داخله في انتظار موت بطيء قبل تنفيذ هذه المحرقة. ان هذا الكيان الهجين الذي دفع به الغرب للتوطين في فلسطين على حساب شعب وأرض شرعيّيْن لا يمكنه أن يلامس السلام او يبحث عن الأمن والاستقرار لان وجوده أصلا يتناقض جوهريا مع هذه المبادئ الانسانية النبيلة وهو لذلك لا يستمد شرعيته سوى من الحروب والتدمير والتقتيل والتشريد وذلك حال كل جسم سرطاني موبوء. ان الغرب الذي شرّْع قانون الغاب في فلسطين باعطاء ما لا يملك لمن ليس له الحق في ذلك لم يكتف بذلك بل شجع هذا الكيان على التمطط وقضم فلسطين وما جاور فلسطين بقوة الحديد والنار التي مكنه منها ومازال. وأمام استكانة عربية وصمت دولي مريب تواصل آلة الحرب الاسرائيلية عنجهيتها باقترافها لجرائم انسانية الواحدة تلو الأخرى.. وقد تنفذ محرقتها الموعودة في قطاع غزة قريبا في انتظار زيارة مباركة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لوزيرة الخارجية الامريكية للمنطقة الاسبوع المقبل وفي انتظار لقاء جديد يجمع اولمرت وأبو مازن للحديث عن اتفاق سلام بينهما تعهدا بانجازه قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي في نوفمبر القادم.