تونس:الصباح: أمام انتشار بعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان أصبح المواطن التونسي يولي أهمية كبيرة للمخاطر الصحية المتعلقة بمختلف المنتوجات التي تروج في البلاد.. وأصبح يخشى من كل ما يشك في سلامته.. ولكن هذا الحذر لا يكفي بل يستوجب الأمر الكثير من اليقظة والدراية لحماية المستهلك من كل ما يتربص به من أخطار.. وفي هذا الصدد تتنزل أنشطة الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات التي تهتم بسلامة البيئة وخاصة المياه والمواد الكيميائية والمنتجات المعدة للرضع ولعب الأطفال، وبسلامة الأدوية والتلاقيح البشرية والحيوانية ومواد التجميل والمواد الصحية والمستلزمات الطبية والمواد البيولوجية، وسلامة الأغذية من المخاطر المرتبطة بالسلسلة الغذائية بما فيها الحيوانات والتغذية الحيوانية. وكانت الأزمات الغذائية الكبرى التي طرأت خلال السنوات الأخيرة على غرار جنون البقر والديوكسين وكل ما يتعلق بالكائنات المحورة جينيا وتقليد الأدوية إضافة إلى ما يمكن أن ينجم عن سهولة تنقل الأشخاص والبضائع وعولمة التجارة والتقدم التكنولوجي، من الدوافع الرئيسية لإعادة النظر في أساليب حماية المستهلك في تونس وبعث الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات. وفي حديث مع السيد حمادي دخيل مدير الرقابة البيئية للمنتجات بهذه الوكالة الراجعة بالنظر إلى وزارة الصحة العمومية تطرقنا إلى المواد الكيميائية إذ أفادنا أن الوكالة تعمل على تقييم المخاطر المرتبطة باستعمال هذه المواد ومن ضمنها المبيدات التي تنقسم إلى نوعين: مبيدات ذات استعمال فلاحي ومبيدات ذات استعمال منزلي صحي.. كما أجابنا عن أسئلتنا حول نتائج الدراسة المتعلقة بتقييم المبيدات في السلسلة الغذائية.. وتطالعون التفاصيل في هذه الورقة: مبيدات منزلية ذكر السيد حمادي دخيل أن المواد الغذائية التي فيها رواسب مواد كيميائية أقل حدة في تونس على الصحة من استعمال المبيدات المنزلية. وذكر أن الإكثار من هذه المواد واستعمالها بصفة عشوائية في غرف تفتقر للتهوئة تكون مصدر تلوث للهواء الذي نتنفسه وبالتالي تكون لها انعكاسات على الصحة.. ويمكن أن تتسبب في تلوث المواد الغذائية الموجودة في المنزل. وبالنسبة إلى المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي قال محدثنا إن هناك لجنة في وزارة الفلاحة والمواد المائية تراقبها في حين توجد لجنة أخرى تراقب استعمال المبيدات المنزلية في مجال الصحة العامة على مستوى وزارة الصحة العمومية وذكر أن الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات تعطي رأيها في أي مبيد يقع تسويقه في البلاد. ويبقى التصرف في المبيدات رهين استعمالها وكيفية استعمالها والمعلومات التي تحملها المبيدات على مستوى التأشير لأن كل إنسان يستعمل المواد الكيميائية يجب أن تكون له المعلومات الكافية لاستعمال هذه المبيدات وسلبيات ذلك. وقال: "من ضمن المخاطر نجد التسممات التي تنجر عن الاستعمال المفرط للمبيد وعن التعرض المباشر له بكميات كبيرة. وهناك انعكاسات تظهر على المدى البعيد وتنجم عن تراكم كميات صغيرة من هذه المواد في المحيط وفي السلسلة الغذائية ويمكن أن ينجر عنها أمراض خطيرة مثل السرطان". وتدعيما للتمشي الوقائي لحماية المواطن من كل الإشكاليات والمخاطر الناجمة عن استعمال المبيدات في مجال الصحة العامة والمجال الفلاحي تلعب الوكالة على حد تعبيره دورا تقييميا لمدى تواجد بقايا المبيدات في السلسلة الغذائية ولتأثيرات استعمال المبيدات في مجال الصحة العامة. فالاستعمال السيئ والعشوائي للمبيد مضر لكن هذا لا ينفي وجود إيجابيات للمواد الكيميائية تتمثل في تحسين الإنتاج الفلاحي والوقاية من بعض الفطريات والأمراض ذات المصدر المائي. فبفضلها تم القضاء على نواقل أمراض عدّة. وأضاف: "تعمل الوكالة على تقييم مدى تعرض المواطن للملوثات ومن ضمنها بقايا المبيدات وعلى إبداء الرأي في مجال تصنيع بعض المواد الكيميائية وخاصة المبيدات المستعملة في مجال الصحة العامة.. وهناك لجنة تعمل على التقييم العلمي والفني للمواد الفاعلة والمحاليل المستعملة في هذا المجال وتتولى القيام بدراسات لتقييم بقايا المبيدات في السلسلة الغذائية. دراسة ومن بين الدراسات التي تولت الوكالة انجازها حدثنا السيد دخيل عن واحدة تم الشروع في انجازها منذ سنة 2003 وتتعلق بتقييم المبيدات في السلسلة الغذائية وامتدت إلى سنة 2006 ويجري العمل لإعداد اللمسات الأخيرة للتقرير النهائي لها.. وارتكزت منهجيتها حسب قوله على استهداف المواد الفلاحية والمنتجات الفلاحية والمنتجات المصنعة الأكثر استهلاكا والتي يعتبر مجال استعمال المبيدات فيها على مستوى الإنتاج مكثفا.. وشملت الدراسة في جزئها الأول نحو 250 عينة قصد البحث عن نحو 19 مادة فاعلة موزعة على الغلال والخضر والمواد المصنعة ذات الأصل الحيواني والمواد المصنعة ذات الأصل النباتي.. أي أنه يتم البحث عن نسبة ترسب المواد الكيميائية التسعة عشرة في هذه العينات من المنتجات التي تم اقتطاعها من سوق الجملة ببئر القصعة ومن المساحات الكبرى ومحطات التكييف. وتم التركيز على ضمان احترام المواصفات والمراجع الوطنية والدولية في مجال أخذ العينات وعند التحاليل.. وجرى تحليلها الفيزيائي والكيميائي في مخبر سيدي ثابت وكانت النتائج في هذه المرحلة من الدراسة على حد قوله طيبة مقارنة بما هو عليه الحال في فرنسا إذ أن نسب تواجد رواسب المواد الكيميائية لا تتعدى 1 فاصل 5 بالمائة من جملة العينات المقتطعة بينما نجدها في فرنسا 11 بالمائة وتقارب النسبة التونسية النسبة الموجودة في كندا. وإجابة عن استفسارنا أوضح أن الدراسة لم تستهدف مواد كيمائية محظورة بل استهدفت مبيدات منصوح بها. واستدرك محدثنا قائلا: "لكن الإشكال الذي يطرح في تونس يكمن في كيفية استعمال المبيدات المرخص فيها.. فالمبيدات مرخص فيها لنباتات معينة تستعمل في أوقات معينة وحسب تطور الفطريات للحصول على النتيجة المرتقبة في مجال مكافحة الحشرات لكن الفلاح لا يلتزم بذلك".. فالفلاح يستعمل المبيد المنصوح به للطماطم في مادة أخرى مثل الخوخ وهو ما يدعو إلى مزيد إرشاد الفلاح وتوجيهه على مستوى الإنتاج لاستعمال المبيدات المنصوح بها حسب مجالات استعمالاتها. فالمبيد المنصوح به في مادة معينة لا يجب أن يستعمله في مادة أخرى إضافة إلى ضرورة احترام الأوقات المناسبة لاستعمال المبيد عند ظهور الآفات والعمل بتوصيات وزارة الفلاحة في هذا المجال. كما ساهمت الدراسة على حد تعبيره في تحيين المواصفات التونسية في مجال استعمال المبيدات.. وقال "نسهر على احترام التراتيب الوطنية والدولية في مجال السلامة ونعمل على تحيين المواصفات بالاستئناس بدستور الأغذية وبالايزو وبالمجموعة الأوربية ونعمل على الحرص على توافق المواصفات التونسية مع المواصفات الأوربية والعالمية".. وذكر محدثنا أن نتائج الدراسة بينت أنه في الوقت الراهن لا توجد مخاطر جراء استعمال المبيدات أوتعرض المواطن لهذه الترسبات.. وبين أنه سيتم استكمال هذه الدراسة وتم في جزئها الثاني التكثيف في عدد المبيدات المستهدفة قصد إرساء مخطط رقابة ناجع لبقايا المبيدات في السلسلة الغذائية. ولكن هل هناك دراسة تتعلق بالمبيدات ذات الاستعمال المنزلي؟ عن هذا السؤال أجاب محدثنا بالنفي وقال "نعمل على إعداد إطار عام لتوزيع واستعمال وتحضير المبيدات المستعملة في مجال الصحة العامة وهذا يتطلب توفر أسس مؤسساتية وقانونية إذ هناك نقص في مجال استعمال مبيدات الإحياء وتوجد لجنة في الوكالة تدرس هذه المنتجات لاستكمال منظومة المراقبة والنصوص القانونية وهي تعمل على الاجتماع بصفة دورية لدراسة ذلك وإصدار نص ينظم التوزيع والتصرف واستعمال وتحضير المبيدات في مجال الصحة العامة واستكمال منظومة المراقبة بصفة عامة. وبين أن هذه الدراسات تندرج في إطار تقييم استعمال المنتوجات واستهلاكها قصد المساهمة في أخذ القرار اللازم والوقاية من بعض الأخطار التي يمكن أن تنجر عن المواد الاستهلاكية بصفة عامة سواء كانت مستجدة أو جديدة وتدعيم اليقظة على مستوى جودة المنتجات المتداولة وسلامتها. ويضمن وجود منظومة متكاملة للرقابة بين وزارات الصحة والتجارة والفلاحة والداخلية والسياحة والبيئة أن المنتجات الوطنية يمكن أن تتمتع بتنافسية عالية في الأسواق التونسية والعالمية كما يضمن سلامة المنتجات الموردة وجودتها.. الفلاحة البيولوجية عن سؤال يتعلق بمدى استجابة الفلاحة التونسية لشروط الإنتاج البيولوجي خاصة بعد أن اتضح بالكاشف من خلال الدراسة أن الكميات المستعملة من المواد الكيميائية في المجال الفلاحي لا تشكل معضلة أجابنا مدير المراقبة البيئية للمنتجات أن الفلاحة التونسية مؤهلة لكي تنتقل إلى درجة الإنتاج البيولوجي بأسهل ما يكون من أي فلاحة أخرى في العالم نظرا لأن هناك منتجات لا تستعمل فيها إلى حد الآن المواد الكيميائية مثل التمور والزياتين والتين والتين الشوكي وغيرها كثير لكن يظل العائق في استعمالها بقية المنتجات الأخرى مثل الخضر والغلال لكن هناك العديد من ضيعات الخضر والغلال استجابت لشروط الفلاحة البيولوجية. خاصة أن هناك شعورا كبيرا من طرف المواطن التونسي بأهمية المواد التي يستهلكها وهو يحبذ الطبيعي والبيولوجي وذلك ناتج عن درجة وعيه وعن العمليات التحسيسية في هذا المجال. فهذه المواد لها تأثيرات إيجابية على صحة المواطن. وهذا سيساعد على تنمية السوق التونسية للمنتجات البيولوجية وعلى تكثيف استهلاكها.