يبدو أن وقع المشهد اليومي الاجتماعي والسياسي خاصة ما تعلق بالهَمّ الثقافي والتجاذبات والأحداث التي شغلت الرأي العام والخاص في بلادنا لم يقوَ جسد رؤوف بن يغلان على تحملها لاسيما أن هذا الفنان يستلهم فعله المسرحي وطرحه الفكري من الهاجس الاجتماعي وذلك بعد المجهود الكبير الذي يبذله في محاولة الاقتراب من الهم اليومي لكل مواطن مثلما أفاد بذلك. إذ تعرض نهاية الأسبوع الماضي إلى وعكة صحية ألزمته الإقامة بمستشفى الأمراض الصدرية بأريانة لمدة أيام. ورغم أنه الآن في فترة نقاهة بمنزله ولا يزال يخضع إلى المراقبة الطبية إلا أنه قبل الحديث إلى "الصباح". فبدا رؤوف بن يغلان في ألقه النقدي الساخر وتحدث في الحوار التالي عن عديد المسائل. - ماذا تقول لكل من يسأل عن وضعك الصحي الآن؟ *لقد تعرضت إلى جلطة قلبية ومن ألطاف الله أني اجتزت المرحلة الحرجة وبدأت حالتي الصحية في الاستقرار بفضل ما وجدته من عناية طبية خاصة. ولا أخفي سرا إذا قلت أني كسبت الكثير من هذه الوعكة. -ماذا تعني بالمكسب؟ *خرجت من المستشفى مريضا فوجدت حبا زادني شفاء. لقد اكتشفت حقيقة وهي أن في تونس هناك حب ومشاعر طيبة. فما حباني به الناس من حب وسؤال أعادني للواقع والحياة بعد أن أخذني وقع الراهن المظلم وهوس العمل. إذ اتصل بي عدد كبير من الأصدقاء والأحباء وفنانون واعلاميون وحقوقيون وسياسيون وحارقون. فالكل إنتابته الحيرة على حالتي الصحية. لذلك اعترف أن هذا الاهتمام زادني تعلقا بالحياة والناس والفن وأنساني جانبا من المعاناة. لأني بمجرد عودتي من سويسرا أين قدمت آخر عرض ل"حارق يتمنى" والتقيت بعدد من الحارقين وتحدثت وسجلت معهم كنت أستعد للتحول إلى المنستير للمشاركة في ندوة لدستورنا لكن الإرهاق والتعب المضاعف لم يمهلني لأواصل الدفاع عن الثقافة ومطلب المثقفين والفنانين. كما أني توصلت إلى حقيقة أعتقد أن الجميع يشاطرني الرأي فيها وهي أن أهم مكسب للإنسان هي الحالة الصحية فمن خلالها يستطيع التأسيس لكل شيء. لكن هذا المكسب قد يكون غير ممكن بالنسبة للعاطلين عن العمل والمظلومين ممن أنهك أجسادهم التفكير في الشغل الذي يضمن كرامتهم ودمر نفسياتهم. - بم تفسر تواصل عرض مسرحية "حارق يتمنى" إلى حد الآن في حين أن البعض انتظر منك عملا جديدا بعد الثورة؟ *هذه المسرحية تطرح جوانب من معاناة فئة من المجتمع التونسي وكلفتني مجهودات وتضحيات وبحث. لأني أحرص في أعمالي على الاقتراب من الحالات والمعاناة التي أجسدها في أعمالي. ثم إن ما تعالجه مسرحية "حارق يتمنى" مسائل لاتزال قائمة الذات إلى حد الآن لاسيما بعد تضاعف عدد الحارقين. فهذا العمل الذي عرّى جوانب مما تعيشه هذه الشريحة من مجتمعنا جعلني صديق كل الحارقين تقريبا. موازاة مع مواصلة عرض هذه المسرحية فأنا بصدد التحضير لعمل جديد. - هل تعني أن مشروعك الجديد سيكون بلون سياسي أكثر منه اجتماعي؟ *أنا لا أريد الكشف عن عملي الجديد لأني بصدد التحضير له وقد أدركت مرحلة متقدمة في ما يتعلق بجاهزيته. ولكن ما أسطيع ان أقوله عن هذا العمل أنه يطرح وينتقد الوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه تونس اليوم. لذلك سيكون الطرح جريئا وفيه من السخرية والضحك "الملغوم" ما يشد المتلقي. وقد أجريت لقاءات ومعطيات مع سياسيين وناشطين في المجتمع المدني وأعتقد أن ما توصلت إليه يعد كافيا لتقديم مسرحية ناطقة بالوضع الراهن ومنتقدة للألوان السياسية المهزلة فضلا عن طرح العلاقة بين الوعود والأماني والواقع. لذلك فأنا حريص على أن تكون هذه المسرحية جاهزة خلال السنة القادمة. - بعد "نعبر والا ما نعبرش" و"حارق يتمنى" ما هو عنوان العمل الجديد؟ *لا أريد الكشف عنه الان ولكن قد يكون "نطرشق والا ما نطرشقش" . - قلت أنك اقتربت من أهل السياسة وممن تعتقد أنهم مصادر لتقديم عمل مسرحي يصور الوضع الراهن فكيف وجدت هؤلاء؟ *أعترف أنه من طبعي ان لا أثق في الخطاب السياسي مهما كان لونه. لذلك أكرر القول حذار من الذين يتقنون فن الكلام خاصة أولائك الذين يشتغلون السياسة لأن همهم الوحيد هو الحصول على السلطة من خلال اللعب على عواطف الشعب باعتماد الوعود والأماني لا غير .وحتى يتسنى لهم تحقيق ذلك فهم مستعدون لكل التحالفات والتنازلات دون التصريح بها حتى لا يكشفوا عن نواياهم الحقيقية. فلا رجالات السلطة ولا المعارضين حسب رأيي قادرون على أن تقدم المطلوب للشعب الأعزل. لذلك في عملي وأفكاري وقناعاتي اختار أن أكون مع أغلبية الشعب التونسي لأن هذا الأخير لم يجد حظه لا مع أهل السلطة ولا مع المعارضة. - وكيف يمكن التأسيس لمنظومة ثقافية كفيلة بضمان الإبداع؟ * كلنا نطالب بأن يكون الحق الثقافي حقا يقره الدستور حتى نقطع مع الجفاف الثقافي وتهميش المعرفة واقصاء الإبداع الفكري والفني الذي عاشته بلادنا خاصة داخل الجهات. ولذلك ندعو الجميع: أحزابا ومنظمات وجمعيات وأفرادا إلى ضرورة مساندة هذا المقترح حتى نضمن المساواة في الحقوق الثقافية بين كل المواطنين باختلاف شرائحهم العمرية والاجتماعية في كل المدن والقرى والأرياف.