إن مطالب سكان الجهات الداخلية تتلخص في التنمية والتشغيل والكرامة أولا، ثم في بعض المجالات ذات الصلة بالصحة والتعليم والبنية الأساسية، وهي مطالب تكاد تكون واحدة بالنسبة إلى جميعها مع اختلاف بسيط بين بعضها البعض يتصل بخصوصيات كل جهة وحاجاتها الأكيدة والأولية. وجملة هذه المطالب تبقى واضحة لدى الحكومة خاصة بعدما حصل من تأكيد على الحاجة الماسة إليها بما حصل ويحصل من تحركات تمثلت في التجمعات والإضرابات وكافة أنواع المطالب التي يتحرك من أجلها سكان تلك الجهات. إلا أن الثابت أن جملة هذه المطالب وبداية إنجازها مرتهن بواقع سياسي مازال غامضا من ناحية ومتذبذبا من ناحية أخرى، خاصة في بعده المتصل بوضع خارطة طريق لأهم المحطات السياسية القادمة من انتخابات تشريعية وإنهاء الملفات ذات الصلة بقضاء جديد متحرر من كل القيود وإعلام متطور وقوانين أخرى تتصل بالمجلة الانتخابية ولجنتها العليا المستقلة. وجملة هذه الملفات مازال يقوم حولها صراع يومي مرير بين الحكومة والمعارضة، وهي ما تزال غامضة ولم يقع التقدم نحو الفصل فيها أو وضع أجندة باتجاه الحوار حولها، وهو ما يؤبد الأوضاع في الجهات الداخلية على اعتبار أنه لا حل لمطالبها مادامت الرؤية السياسية غير واضحة، وما دامت تحكم بعقلية سياسوية ضيقة وحزبية في كل جوانبها وتقوم على الحسابات الانتخابية القادمة. وما زاد في صعوبة الأمور وعدم التناغم بين مطالب سكان الجهات الداخلية والحكومة، وتعطل كافة المشاريع المنتظر انجازها مظاهر العنف السياسي الذي بدأ يتنامى هنا وهناك، وباتت كل الأطراف السياسية تعمد إلى توظيفه حسب مصالحها وتأوله تأويلا آخر بعيدا كل البعد عن أسبابه الحقيقية، وبذلك باتت التحركات التي تظهر بين يوم وآخر تمثل شماعة يعلّق عليها الجميع اتهاماتهم للأطراف الأخرى وذلك في ركوب للأحداث وسباق نحو إلصاق شتى التهم للمنافس هربا من المسؤولية، وإخفاء للواقع المتردي الذي حط بثقله على الجميع. ومادامت الرؤية العامة للواقع تنصب فقط على ما هو سياسي ولا تلائم بينه وبين ما هو اجتماعي واقتصادي وتنموي، فإن هذه النظرة الأحادية الجانب تمثل قصرا في رؤية الحكومة، وتحول دون الوصول إلى وفاق عام منشود، بين كافة الأطراف السياسية، وبالتالي فهي لا تستجيب للانتظارات القريبة والبعيدة التي مثلت مطالب كافة القوى السياسية المعارضة والمجتمع المدني وسكان الجهات الداخلية، وهو أمر بات يعطل مسار البلاد باتجاه كافة الحلول المنتظرة.