تحتاج البلاد بكافة أطيافها السياسية والاجتماعية وقوى مجتمعها المدني وجهاتها إلى خطاب سياسي واضح وصريح بخصوص الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتأمين مرور البلاد إلى مرحلة جديدة تقوم على التوافق بين كافة الأطراف فتمثل رسائل طمأنة خاصة للجهات الداخلية التي انتظرت طويلا للخروج من الواقع الذي تردت فيه. إن هذا الخطاب السياسي لا يمكنه أن يمر إلا إذا كان يتميز بالصدق والوضوح من ناحية وبرسم خطى واضحة لكافة الاستحقاقات التي ينتظرها الجميع عبر مواعيد دقيقة واجراءات عاجلة تفتح صفحة جديدة قوامها الأمل في تغيير ملموس يكون على أرض الواقع، ويمس خاصة كافة المواطنين بخصوص جملة المخاوف والمشاغل التي ظهرت في الآونة الأخيرة. ففي باب أول وسريع لا بد من رسم خطة أمنية واضحة تكون عبر قرارات وإجراءات لا لبس فيها تجعل الجميع متساوين أمام القانون، وتؤكد على أن لا أحد فوق القانون وتبدد كافة المخاوف التي ارتسمت، وتذيب الفكرة التي باتت سائدة بخصوص الاختراقات التي يمارسها البعض دون أن تطالهم يد الأمن والقضاء. وفي جانب ثان فإن ما يجري في عديد الجهات من تحركات تظهر في شكل اعتصامات واضرابات واحتجاجات وغيرها من مظاهر الاحتجاج لا بد أن تواجه بأساليب الإقناع القائم على وعود حقيقية بشأن الاستحقاقات أو المطالب التي يرفعها سكان هذه الجهات وذلك بقطع النظر عن طبيعة هذه المطالب (اقتصادية أو اجتماعية أو تنموية أو سياسية)، خاصة وأن هذه المطالب طالما انتظرها سكان الجهات باعتبارها قد مثلت وعودا كانت قد قطعتها الحكومة على نفسها في الأشهر الماضية. أما الجانب الأخير الذي يجب أن يتضمنه الخطاب السياسي في هذه المرحلة فهو ما يتعلق بخارطة طريق لكافة المحطات السياسية القريبة القادمة. وفي هذا الجانب فإن الوضوح لا بد أن يمس موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة والانتهاء من كتابة الدستور الجديد وتكوين اللجان والقوانين الخاصة بقطاعي القضاء والإعلام، والإسراع بتنقية الأجواء التي تتصل بالمجالين الاقتصادي والتنموي للبلاد، ودفع الإجراءات المتعلقة بمجال إرساء العدالة الانتقالية. وجملة هذه الاستحقاقات تتطلب نوعا من التوافق بين كافة القوى السياسية والجهات، بعيدا عن الإقصاء والتهميش لأي طرف، وتجردا من الحسابات الضيقة التي طبعت لحد الآن تحركات وخطاب كل القوى السياسية دون استثناء.