اذا صدقت الانباء القادمة من اليمن فان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح يصرّ على أن يكون طرفا في الحوار الوطني اليمني ويصرّ على أن يكون طرفا فاعلا في هذه المرحلة الانتقالية التي يعيشها هذا البلد الذي انضمّ شعبه تلقائيا الى دول الربيع العربي واختار القطع مع نظام الحكم المطلق والفساد والظلم والاستبداد وبهذا التصرف فان عبد الله صالح يؤكد ما ذهبت اليه كل التقارير بأن الرجل موبوء بداء اسمه السلطة وأنه غارق حتى العنق بوباء التمسك بالكرسي حتى الموت وأنه بالتالي لا يزال يعيش قيود الماضي ويرفض الاعتراف بالتغييرات الحاصلة في اليمن وفي بقية انحاء العالم ويمكنه الاقرار برغبة الشعب اليمني في طي صفحة العقود الطويلة لحكمه الذي تجاوز مختلف حكام اليمن الذين سبقوه. مصيبة عبد الله صالح تتجاوز شخص هذا الحاكم الذي تربع على عرش صنعاء على مدى أكثر من ثلاثة عقود تتجاوز الحدود الجغرافية لليمن وهي تكاد تمتد الى كل العروش الاستبدادية الحاكمة اليوم التي لا تستسيغ مبدأ التداول على السلطة ولا وجود في قاموسها السياسي لمفهوم التعددية والديموقراطية. خطيئة عبد الله صالح أنه تعامل مع شعبه كمن يتعامل مع مجموعة من القاصرين العاجزين عن الاختيار ومن هنا يأتي اصراره المشاركة في الحوار الوطني وكأنه الحل وليس المصيبة الجاثمة على صدور اليمنيين لانه بكل بساطة لا يزال متعلقا بالاوهام ولا يزال على قناعة بأنه الوحيد القادر على انقاذ الشعب اليمني أو ذلك الطفل الضعيف الذي يحتاج للمساندة والرعاية في كل خطوة يخطوها غير قابل بأن الطفل بلغ مرحلة النضج وأصبح على درجة من الوعي والقدرة على الاختيار بمنأى عن كل أنواع الوصاية.. ما يقوم به عبد الله صالح اليوم وهو الذي رفض كل الدعوات لمغادرة اليمن تمرّد معلن واسقاط للمبادرة الخليجية التي وفرت له الحصانة من المساءلة والمحاسبة ومنحته الفرصة للسفر والعلاج بعد القصف الذي استهدف القصر الرئاسي خلال انتفاضة الشعب اليمني والذي كاد يؤدي بحياته, ولكن وبدل ان يقف صالح ليطلب الصفح من الشعب اليمني على الذل والاهانة التي لحقته بسبب سياساته الفاشلة وما خلفته في اليمن من فقر وتهميش وأمية وجهل وتخلف وبدل أن يعتذر لهذا الشعب المسامح الذي غضّ الطرف عن كل أنواع الظلم الذي تعرض له خلال السنوات الماضية وسمح له بالسفر للعلاج في الخارج وجنبه كل السيناريوهات السوداء التي انتهى اليها غيره من الدكتاتوريين فانه يعود اليوم مكابرا صاغرا حاقدا ورافضا لحق الشعب اليمني في الاختيار وتقرير المصير.. جهود كبيرة وتدخلات من أعلى المستويات تبذل لدفع عبد الله صالح إلى مغادرة البلاد لعل غيابه عن المشهد السياسي يساعد على تجنب الكثير من الصراعات القائمة ولا سيما أن محاولات أنصاره للعودة بكل الطرق مستفيدين من أبناء عشيرة عبد الله صالح المتحكمين في الجيش كما في مصادر ثروات البلاد الطبيعية. حسابات عبد الله صالح التي لا تخلو من الدهاء والخبث ورغم حصوله على تأشيرة للسفرالى ايطاليا للعلاج من مرض خطير خشية انتقاله بدلا من ذلك أمام العدالة الدولية كما حال مبارك ونجليه, ويبدو أن دولا عربية كان لها دور في المبادرة التي وضعت حدا لحكم علي صالح مع توفير الحصانة له قبلت استضافته بشروط قد لا تختلف عن تلك التي سمحت للرئيس التونسي الهارب بالاستقرار في السعودية والنجاة بدوره من مواجهة القضاء ولو مؤقتا. قد يكون صالح نجا حتى هذه المرحلة من مصير القذافي أو حسني مبارك ولكن ذلك قد يعني أيضا أن موعد الحساب انما تأجل الى موعد لاحق قد لا يتأخر كثيرا وسيعيد عبد الله صالح وغيره من الحكام الذين استهانوا بارادة الشعوب وواجهوا مطالبهم في الحرية والعدالة والديمقراطية بالدبابات والرصاص الى رشدهم ليدك وأمثاله أن الشعوب التي خرجت مطالبة برحيلهم واعية بمطالبها ولن تتراجع عنها.. قد لا تنفع كل العقاقير في علاج صالح من دائه المزمن وتخليصه من علته التي لا يقدر عليها غير الشعب اليمني عندما قرر ازاحته دون رجعة من موقعه...