من ثورة عبيد روما، التي أجهضها القياصرة مرورا بالثورة الفرنسية أم الثورات- الملطخة بالدماء والآلام، وصولا إلى الثورة البلشفية التي "خلقت" "استبداد" الإيدولوجيا، انتهاء بثورات الربيع العربي، كل هذه الثورات أو حتى تلك الانتفاضات المتفرّقة عبر تاريخ الشعوب اشتركت في توقها "النهم" الى تحقيق عدالة اجتماعية مفقودة والقضاء على تمايز طبقي مقيت، وإنصاف المهمشين وكفكفة دموع الفقراء وإطعام البطون الخاوية.. ثورتنا التي تعدّدت أسماؤها حيث بدأت بعبارة "ثورة الجياع"، ووضعت بعد ذلك تاج "الياسمين"، ثم استقرّ الرأي على نعتها بأنها ثورة الكرامة والحرية -ما زال البحث جاريا عنهما-.. واحتدّ نقاش نخبنا السياسية لاختيار تاريخ ميلادها هل هو تاريخ بداية "مأساة" البوعزيزي الذي أضاء درب الحرية بوهج النيران المشتعلة في جسده؟ أم هو ذاك اليوم الذي تخلّي فيه الشعب عن جبنه "قليلا" "ليزعزع" أركان الداخلية بهدير صوته الغاضب، مقابل استبداد الجبن والخوف بالطاغوت بن علي ليغادر البلاد، في يوم مليء بالأسرار والغموض؟.. وكالتباس في مفاهيم وتفاصيل ثورتنا التي ولدت من "خاصرة" الجهات المحرومة.. ومن بين دروب المدن التي لا ملامح لها.. وبإرادة مواطني "الدرجة الثانية".. يخيّم هذا الالتباس والغموض على واقع ما بعد ولادة الثورة.. لتنتفض اليوم معاقل الثورة من جديد، فترفض مدن المناجم التي علّمها "الداموس" معنى الصمود، بخس حقها في "اعتراف وطني" بشهداء انتفاضتها، وبأن انتفاضة الحوض المنجمي كانت "ملح" هذه الثورة.. القصرين -مدينة الشهداء- بدورها لم تتقبّل العزاء بعد في أبنائها حتى تتحقق أهداف ما استشهدوا من أجله- رغم مرارة ذكرى مجزرة تالة، سيدي بوزيد هي الأخرى بعثت رسالة إلى "منصّة الرؤساء" وما زالت تمارس ضبط النفس، أما سليانة فهي تنزع الرشّ من عيون أبنائها، وتكتم غيضها.. وتنتظر.. احتقان الجهات المحرومة بلغ ذروته، وأصحاب الشرعية "مرهقون" بالبحث عن الدروب السالكة.. وبين غيظ المحرومين وخيبة آمال الثوريين تحاول حكومة الشرعية إيجاد "حبوب لمنع الثورة" من جديد، بشدّ انتباه الرأي العام بمسرحية هزلية سيئة الإخراج تدعى عرضيا "التحوير الوزاري" الذي أرهقنا بانتظاره، وأرهقهم في البحث عن "منافذ" جديدة لاقتسام كعكة السلطة، في لحظة تراجيدية تؤكّد أن ثورتنا ثورة.. عاقر لم تمنحنا فرصة الشفاء من حرماننا ووجعنا وفقرنا، وينقصها "الإبداع" والإنصاف.