الحراك النسوي كان في الموعد - لا يمكن الحديث عن انتفاضة الحوض المنجمي بمعزل عن التحرك النسوي الذي ترك بصمة في تاريخ الانتفاضة، فعندما تمّ اعتقال بعض رجال الحوض المنجمي وشبابه، خرجت النسوة من قوقعة الخوف التي تربصت بفئة كبيرة من التونسيين بسبب أداة القمع والاستبداد المسلطة عليهم، وطالبت نساء الحوض المنجمي بإطلاق سراح أزواجهن وأبنائهن دون أيّ ترددّ. شخصيات عديدة تركت أثرا في تاريخ الانتفاضة ومثلّت رمزا حقيقيا للنضال، لكننا لم نعد نرها اليوم في المنابر الإعلامية ولم نرها «تتبجّج» وتزايد بنضالها أو بنضال أبنائها الشهداء، لتنطبق عليهم مقولة «حين تنتهي المعركة ويخلد الشهداء إلى النوم.. يخرج الجبناء من الأزقة الخلفية ليحدثوننا عن بطولاتهم». نساء الحوض المنجمي دخلن قلعة النضال من الباب وليس من الشباك ،كما يفعل الكثيرون اليوم. لقد كانت المرأة المنجمية جنبا إلى جنب مع الرجل، ولعلّ أكبر تحرك قامت به النساء المنجميات كان يوم 9 أفريل عندما طالبن بفك الحصار على الرجال والشباب المطاردين والمختبئين في الجبال، فاتجهن إلى مقر المعتمدية وطالبن بإطلاق سراح أبنائهن وأزواجهن. لقد ثارت النساء المنجميات وأثبتن حينها أنهن جديرات بالاحترام والتقدير وأنه بالإمكان التعويل عليهن، أثبتت كل امرأة بينهن أنها امرأة بألف رجل لا تخشى قمع جهاز بن علي الأمني. عرض كلية للبيع للعيش.. وإضراب جوع! أسماء عديدة من المناضلات المنجميات ربما نجهلهن، لكنّ المناضلة والحقوقية زكية الضيفاوي إحدى رموز انتفاضة الحوض المنجمي، صحيح أنها ليست من أهالي المنطقة لكنها ساندتهم ونزلت معهم إلى الشارع لإجراء تحقيق صحفي زمن كان النظام مهيمنا على مختلف وسائل الإعلام. سعت الضيفاوي إلى تغطية المسيرة التي نظمتها نساء الحوض المنجمي يوم 27 جويلية 2008 للمطالبة بالإفراج عن المحتجين الموقوفين، لكنها باتت هي الأخرى سجينة النظام ليرتفع بذلك عدد موقوفي الحوض المنجمي الذين تعرضوا لمظلمة النظام المخلوع وتصبح هي الأخرى الشغل الشاغل لعدد من الحقوقيين بعد أن كانت بينهم تساند أبناء الرديف. وقع الزج بالضيفاوي الناشطة السياسية في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات حينها، لمدة أربعة أشهر على خلفية تغطيتها للمسيرة النسوية السلمية، وتعرضت مراسلة صحيفة «مواطنون» إلى تحرش جنسي من قبل أحد أعوان الأمن الذي هددها بالاغتصاب رغم علمه بهويتها الصحفية، لكن سياسة بن علي لقمع الأفواه الحرة هي الرائجة حينها. ولم يكتف النظام البائد بسجن الضيفاوي وإنما عمدت وزارة التربية آنذاك إلى إصدار قرار شطب اسمها من الوظيفة العمومية دون إحالتها على مجلس التأديب، كما ينصّ على ذلك قانون الوظيفة العمومية. واحتجاجا على مواصلة حرمانها من حقها في الشغل، دخلت زكية الضيفاوي يوم 10 مارس 2010 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في إضراب جوع للمطالبة بدفع رواتبها المتخلفة وتعويضها عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحقها نتيجة المحاكمة الظالمة التي تعرضت لها والحكم القاسي الذي سلط عليها، لكنها لم تجد آذانا صاغية. فوصل بها اليأس إلى حدّ عرض كليتها للبيع يوم 08 جانفي 2011 أثناء التظاهرة النقابية التي تمّ تنظيمها في بطحاء محمد علي الحامي بالعاصمة. «أحمد نجيب الشابي خذلني» وردا على سؤال «الصباح الأسبوعي» حول الشخصيات السياسية والحقوقية التي خذلتها ولم تقف إلى جانبها، تقول زكية الضيفاوي: «أحمد نجيب الشابي خيب آمالي وخذلني، لقد كنت أعتقد أنّ الحزب الديمقراطي التقدمي سيقف إلى جانبي دون أي تردّد ولكن خاب أملي في هذا الحزب عامة ونجيب الشابي خاصة فلطالما احترمته، لكنه لم يبذل أيّ جهد للوقوف إلى جانبي». كما ذكرت محدّثتنا أنّ حزبي التكتل وحركة التجديد وقفا إلى جانبها في حدود الإمكانيات معتبرة أنّ صحف المعارضة وتحديدا «مواطنون» و»الطريق الجديد» و»الموقف» غطت الحدث بصفة محتشمة مثمّنة في الآن نفسه دور قناة «الحوار التونسي» في تغطية الحدث وإيصال أصوات أهالي الحوض المنجمي إلى المنظمات الحقوقية الدولية. المرأة المنجمية رمز الصمود والنضال وكشاهد عيان على أحداث الحوض المنجمي، تقول الضيفاوي: «أثمّن دور أهالي الحوض المنجمي وأنحني لهم احتراما خاصة للمرأة المنجمية التي مثلت ولا تزال رمز الصمود والمقاومة، فهي أول امرأة اقتلعت الخوف وأزاحت البوليس الرقابي من عقلها وطالبت بحقها». وترى المناضلة الضيفاوي أنّ السياسة القمعية الظالمة التي اتبعها نظام بن علي تعكس «الحنظل» الذي ذوقّّه أهالي الحوض المنجمي لبن علي وأتباعه، قائلة: «ما يذوقك الحنظل كان الي ذاقوا منك». وعن الاعتراف بشهداء الحوض المنجمي كشهداء ثورة، قالت الضيفاوي: «جرحي الأول بسبب ما عشته في انتفاضة الحوض المنجمي مع الأهالي لم يندمل بعد، لكنّ عدم الاعتراف بشهداء الحوض المنجمي كشهداء ثورة أحيى الجرح بداخلي للمرة الثانية». وختمت الضيفاوي حديثها مع «الصباح الأسبوعي»، قائلة: «شباب الحوض المنجمي ونساؤه ورجاله كانوا الشرارة الأولى لاندلاع ثورة أولى وسيكونون الشرارة الثانية لاندلاع ثورة ثانية». ويرى أهالي الحوض المنجمي أنهم لم يستفيدوا من ثورة 14 جانفي باعتبارهم لم ينتظروا سقوط المخلوع وانتفضوا ضده مطالبين بحقوقهم في «الشغل والحرية والكرامة»، وهي نفس الشعارات التي رفعت أيام الثورة. لكنهم لم يتمتعوا إلى اليوم بتلك المطالب مما أدى إلى احتجاجهم خاصة خلال هذه الفترة على إثر رفض المجلس التأسيسي منح لقب شهداء الثورة إلى شهداء الحوض المنجمي. خولة السليتي
عدنان الحاجي ل»الصباح الأسبوعي »:اليوم يبدأ الحوار حول تحركاتنا المقبلة أفادنا المناضل القيادي في انتفاضة الحوض المنجمي عدنان الحاجي أنّه سيتمّ ابتداء من اليوم تنظيم اجتماعات متتالية يحضرها نقابيون ومناضلو الأحزاب والجمعيات بالجهة لدراسة مقترحات التحركات خلال الفترة القادمة احتجاجا على تهميش الجهة وعدم الاعتراف بشهداء الحوض المنجمي كشهداء ثورة. وذكر الحاجي أن هذه التحركات ستشمل تونس العاصمة مشيرا إلى احتمال التجمع بالقصبة لرمزية هذا المكان، قائلا: «لكن الحسم بصفة نهائية في هذا الموضوع رهين اتفاق مختلف الأطراف المشاركة في الحوار». ولم يستبعد الحاجي إمكانية تنظيم إضراب عام جهوي بولاية قفصة، قائلا: «نحن بصدد التحاور مع مختلف المعتمديات والنقابيين بالجهات من أجل تحرك شاسع وناجح، وإلى حدّ اليوم وجدنا مساندة واسعة». كما ثمنّ محدّثنا تبني المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل مطلب الاعتراف بشهداء الحوض المنجمي كشهداء ثورة نافيا نفيا قطعيا طرح موضوع الإضراب العام بكامل تراب الجمهورية مع القيادة المركزية من أجل الاستجابة لمطالب الجهة. وأعرب الحاجي عن استعداده وبقية المناضلين إلى الجلوس مع نواب التأسيسي على طاولة الحوار، قائلا: «صحيح أنه لم تقع دعوتنا إلى اليوم من قبل النواب، لكننا متمسكون بمطلبنا ولن نتراجع عنه ويا حبذا لو نتوصّل معهم إلى حل مرضي «. وخلال حديثنا معه، وجهّ عدنان الحاجي رسالة شكر إلى النساء المنجميات مصرحا بأنهن الأكثر تضررا من هذه التحركات وبكونهن تاج على رؤوس رجال قفصة. ويشار إلى أنّ أهالي الحوض المنجمي واصلوا طيلة يوم أمس احتفالهم بالذكرى الخامسة من اندلاع الانتفاضة.