"الدفعة" الأولى من اللقاءات الانفرادية التي عقدها صباح أمس رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي مع عدد من رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية والتي تتنزّل في إطار إطلاق حوار وطني حول الوضع السياسي الراهن من أجل التوافق والتعجيل بتحديد تاريخ ثابت وقار للانتخابات التشريعية والرئاسية هي مبادرة سياسية جريئة ومدخل عمليّ إلى تحقيق وفاق وطنيّ أضحى يبدو أكثر من أي وقت مضى مطلوبا وضروريا ولازما.. ضروريا،،، لأنه وبعد عامين من قيام الثورة وبالنظر إلى كمّ التحديات السياسية والتنموية التي لا تزال قائمة وتتهدد في العمق عملية الانتقال الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة المدنية الجديدة دولة العدالة والحريات والقانون والمؤسسات صار لزاما أن تقطع كل القوى السياسية مع «منطق» الربح والخسارة بمعناه الحزبي الضيّق وأن تبحث لنفسها عن «موقع» ضمن «مشهد» وفاق وطنيّ لا يمكن الا أن يكون شاملا وجامعا وتكامليا لا فقط اعتبارا لطبيعة هذه المرحلة التاريخية وتحدياتها وإنما اعتبارا أيضا لمقتضيات الوفاء للثورة ولدماء شهدائها وأداء للأمانة السياسية التي حمّلها إياها الشعب ذات أكتوبر من سنة 2011 عبر انتخابات حرّة وديمقراطية وشفّافة.. وما من شك أن أي تلكؤ سيبديه هذه المرّة أي من الأطراف السياسية بخصوص هذه المبادرة وصبغتها الجامعة ولو بدعوى «الانتصار» للثورة ضدّ «أعدائها» سيكون بمثابة تصرّف سياسي عاطفي ساذج حتى لا نقول لامسؤول من شأنه أن يقوي عضد معسكر الثورة المضادة وليس العكس على اعتبار أن مصلحة هذا المعسكر الخبيث هي أولا وآخرا في أن تتواصل «حالة» العداء والتنافر بين القوى السياسية الوطنية الفاعلة وأن تعمّ أجواء الاحتقان السياسي والاجتماعي وأن تظل الضبابية قائمة فيما يخص ملفات الاستحقاقات الكبرى والمواعيد السياسية المفصلية وبالتالي تتعطل عملية الانتقال الديمقراطي برمّتها.. ربّما يكون رئيس حركة « النهضة» الأستاذ راشد الغنوشي قد صدر في موقفه وموقف حزبه من هذا التوصيف بالذات وهو يعلن أمس بعد لقائه رئيس الجمهورية وتحديدا فيما يتعلق بإمكانية مشاركة حزب «نداء تونس» في هذا الحوار أنه وحزبه مع حوار وطنيّ يجمع شمل الأسرة السياسية في تونس وأنهم ليسوا مع الإقصاء.. بدورها رئاسة الجمهورية لا بدّ أنها تكون انطلقت من ذات التوصيف وهي تطلق هذه الدعوة لحوار سياسي من أجل وفاق وطنيّ شامل.. لسنا بإزاء التهليل لمواقف سياسية جديدة ربما يرى فيها البعض وقد يكونون على حقّ تنازلا سياسيا لأحزاب وشخصيات مشبوهة لا يزال يخشى على الثورة وعلى الانتقال الديمقراطي منها.. ولكننا نريد فقط أن نؤكد على أهمية خيار التوافق والوفاق الوطني الشامل بوصفه «الوصفة» الأنجع لقطع الطريق على رموز الفساد السياسي والمالي وفضح خططهم ومؤامراتهم الانقلابية الظاهرة منها والباطنة على الثورة وعلى مسار التطهير والإصلاح والقطع مع الفساد والإستبداد.