- من البديهي ان من أوكد مهام من يتولى الحكم هو الحفاظ على الوحدة الوطنية، وهذا نجده في كل دساتير الدول الديمقراطية، وفي القسم الذي يقوم به الرؤساء والوزراء عند توليهم المسؤولية. وهذا التوحد يأخذ بعدا خاصا اثر ثورة قامت بالإطاحة بالدكتاتورية وتطمح الى تحرير الشعب من الظلم والاستبداد، فيصبح ضرورة لا غنى عنها وهراء وضعف دراية من يأمل في انجاح المسار الانتقالي وتحقيق أهداف الثورة من عدالة وحرية وكرامة، وبناء أسس ودعائم الديمقراطية في ظل مجتمع منقسم الى أطياف وأحزاب ومنظمات تتناحر بينها وتتنافس سلبيا، مع سعي كل طرف إرباك الأخر وتقزيمه وإظهاره في مظهر اللاوطني والخائن وربما العدو الذي يجب القضاء عليه. ولنا في التاريخ الإسلامي أروع وأبلغ الأمثلة على أهمية تحقيق الوحدة الوطنية. قال تعالى :» وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَة اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً». والدولة الإسلامية في نشأتها آخت وألفت بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وبقية القبائل والطوائف الأخرى. كما انها استوعبت المشركين واليهود ولم تقص من كانوا من ألدّ أعداء الدين وحاربوه بكل عنف وقسوة، بل عملت على اعتبار من صلح منهم مواطنين كاملي الحقوق، ومنهم من أصبح من أكبر ركائز ودعائم الدولة الإسلامية. فتوحيد الصف وجمع الكلمة من المبادئ الإسلامية التي لا خلاف حولها. والإقصاء من هذا المنطلق يتعارض مع مبادئ وأهداف الإسلام. في واقعنا اليوم نجد مزيجا غير متجانس من الأطراف السياسية والاجتماعية ينبغي جعلها تعمل في اتجاه واحد لتحقيق أهداف مشتركة. ولا أقصد بالإقصاء فقط ما جاء في مشروع قانون تحصين الثورة، وانما كل عمليات الإقصاء السياسي والاجتماعي والوظيفي أو الإداري والذي شمل وبدون مبالغة المئات اذا لم نقل الآلاف وعشرات الآلاف من إطارات ونخب هذا الشعب لا لشيء الا لأنهم لا ينتمون الى أحزاب الائتلاف الحاكم، في وقت البلاد في أشد الحاجة الى كفاءتهم وخدماهم.أضيف إحقاقا للحق ان من بين هؤلاء من هم أنظف وأشرف وأكفأ من كثير ممن هم اليوم في السلطة بمختلف مكوناتها، وان منهم من خدم البلاد بوازع وطني أو ديني وقدم خدمات جليلة للوطن ولعديد الفئات الاجتماعية بما فيها التي كانت تقاسي من الظلم والقهر في سنوات الجمر؛ فاستبعادهم اليوم من المساهمة في الشأن الوطني ومن تقديم خدماتهم والمشاركة في بناء تونس الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بتعلات مختلفة هي جريمة في حق الشعب. منطق الإقصاء ينبع من تفكير محدود وعقلية انتابها التعالي والغرور، فهي حالة مرضية تعتبر المخالف في الرأي وفي التوجه اوالمبادئ سواء كانت إيديولوجية أوسياسية مخطئا ولا ترى في الاختلاف ثراء يجدر تثمينه، بل عاملا سلبيا يستوجب الإبعاد والإقصاء. وقد عانت منه عديد الشعوب في فترات تأخرها وانحطاطها الفكري والحضاري وأدى بها الى الاستبداد والدكتاتورية ومحاربة أصحاب الرأي المخالف. ان القدرة على توحيد مختلف مكونات المجتمع وجعلهم يعملون سويا لخدمة الوطن، تتطلب كفاءة سياسية ورجاحة رأي وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية الشخصية والحزبية. إن العقلاء من في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصر، فهذا معن بن زائدة يوصي أبناءه عند وفاته بقوله: كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا أستاذ محاضر