المفهوم الصحيح للحوض المنجمي هي انه جزء من ولاية قفصة وهذا صحيح جغرافيا لكن المفهوم الصحيح تاريخيا هو ان هذه الربوع المنجمية احتضنت على مدى قرن ونيف من الزمن كل الفئات والطوائف من مسيحيين ويهود فضلا عن تواجد تشكيلات اجتماعية مغاربية متنوعة من ليبيا والجزائر والمغرب جمعها العمل في مناجم الفسفاط لتامين قوتها والهروب من سعير الحروب واضطهاد المستعمر آنذاك تعايشت كلها مع بعضها في انسجام.. على ان هذه التشكيلات على الرغم من توحدها في اهداف تواجدها الا انها ظلت وفية لهويتها الحضارية ابية على الاضمحلال داخل المجتمع الجديد حتى عودتها الى اوطانها الاصلية حيث لم يبق من اثارها الا احياؤها العمالية التي ما زالت منتصبة الى اليوم وفي كل زاوية من زواياها اكثر من حكاية وفي دروبها ذكريات لا تنسى باعتبار ان هذه الاحياء تتداول عليها اجيال ترثها عن بعضها بالسكنى.. وبالتوازي مع كل ذلك ومع مرور العقود شهدت المنطقة توسعا جغرافيا وامتدادا عمرانيا وديمغرافيا كبيرا من خلال تواجد احياء جديدة بحكم النزوح لهذه المناطق المنجمية للعمل بالمنجم وكون هذا النمو الديمغرافي مجتمعا كبيرا في معناه التشكيلي والاجتماعي تجمع افراده مظاهر التعايش والتصاهر.. أحادية الاقتصاد.. وفي غياب روافد تنمية تؤدي الى اقطاب كبرى خاصة في مجال الاستثمار الفلاحي والصناعي فقد تواصل الاعتماد بصورة كلية على استقطاب اليد العاملة لانتاج الفسفاط الذي يستخرج الى منتصف الثمانينات من الدواميس تحت الجبال قبل ان تطور الشركة مجالات عملها في استخراج الفسفاط بطرق عصرية وذلك باستغلاله سطحيا كما عملت على القيام بعملية "تطهير" الشركة والتقليص من سقف عدد العملة بعد الازمة الخانقة التي شهدتها هذه المؤسسة والقيام بغلق اغلب الدواميس التي يستخرج منها الفسفاط.. ولئن ساهمت هذه العملية في تعصير عمل الشركة وتطوير الانتاج الذي حقق أرقاما لم تعرفها بلادنا من قبل فقد انعكست على الوضع الاجتماعي للمنطقة ومثلها بكل المناطق المنجمية الأخرى من ذلك مواصلة التقليص في عدد العملة تدريجيا واعتماد الشركة على المناظرات لتوفير مستحقاتها من اليد العاملة وبقي الجميع يطمح الى الانتداب بقطاع الفسفاط الذي يعد المستقبل الوحيد لأبناء الجهة في غياب روافد تنمية كانت قد تساهم في خلق موارد رزق والتي لم يعمل النظام السابق على توفيرها في اطار تجاوز احادية اقتصاد المنطقة.. وبدات التحركات والانتفاضات تبرز من هنا وهناك مطالبة بالتنمية من ذلك انتفاضة الرديف سنة 2008 والتي تم قمعها بكل الطرق والقضاء عليها من المهد من قبل النظام السابق لكن تبقى هذه الانتفاضة بركانا نائما على جبال الحوض...تراكم البطالة.. تفشي أمراض مزمنة.. وتهميش المنوال التنموي تجاوز احادية اقتصاد الحوض المنجمي كان اللحن المميز لعدد من المسؤولين في النظام السابق عندما يتبجحون بهذه العبارات والأوهام والتي وسوسوا بها في أذان الشباب بتقديم الوعود الزائفة لمشاريع عديدة ووهمية سوف تنجز بالمناطق المنجمية بالتوازي مع مرور السنين التي تراكمت فيها البطالة بين صفوف الشباب وخاصة منهم خريجي الجامعات فتهمّشت بذلك الجوانب الاجتماعية وكبر الطموح من جديد في رغبة العمل بقطاع الفسفاط والتمسك بهذا الخيط الوحيد الذي يؤمن مواطن الشغل للعاطلين ولغيرهم باعتبار غياب او فشل المبادرات الاستثمارية الخاصة في مجال الصناعة والخدمات والفلاحة والتي يحاول البعض انجازها عن طريق ما يسمى بالقروض الصغرى كما لم يجد القطاع الفلاحي المساهمة الفاعلة في دفع حركية التنمية الاقتصادية واستيعاب طلبات الشغل الإضافية في غياب عمليات التأطير وتمكين الفلاحين الصغار من مساعدات عينية واحكام التهيئة الترابية وتعبئة المزيد من الموارد المائية وبعث مناطق سقوية.. وفي غياب مؤسسات صناعية ومحدودية بوادر الاستثمار فان بعث مؤسسات في مجال الصناعات الكبرى والمتوسطة يعد من افاق العمل المستقل من خلال ما يمكن ان يوفره من فرص تستجيب لحاجيات هذه المناطق في المجالات المختلفة واقامة نسيج اقتصادي متكامل يسمح بالتخفيف من وطأة البطالة من خلال اسهامه المباشر في تمويل بعث المشاريع في ميادين متعددة ضمن استراتيجية تنموية تعطي مردودا واسعا يستجيب لحاجيات المجموعات والافراد في مرحلة التطور الانمائي وبذلك تصبح روافد التنمية مؤدية الى اقطاب متكاملة تسهم بلا شك في تنشيط سوق الشغل بهذه الربوع المنجمية... ولا يشك اثنان في ان مناطق الحوض المنجمي تمثل كيانا اقتصاديا واجتماعيا متميزا يساهم الى حد كبير في نهضة البلاد كقطب منجمي استطاع تامين استمراريته لاكثر من قرن من الزمن وتطوير انتاج الفسفاط على المستوى القاري والدولي لكن مع ذلك تعيش المناطق المنجمية بكل من الرديف وام العرائس والمتلوي والمظيلة حرمانا متواصلا من ابسط مقومات العيش الكريم كما شكلت هذه المناطق المنجمية نقاط عبور في غياب مرافق سياحية جعل مثلث الحوض المنجمي موغلا في العتمة نتيجة انعدام الدراسات عنه وبرزت مكانها ظاهرة التلوث الهوائي والمائي بسبب ما تفرزه مادة الفسفاط وما تحتويه من اشعاعات كيميائية ومساهمتها في تفشي اعراض صحية يعجز القطاع الصحي العليل بالجهة على التصدي لها .. وقد استفحلت ظاهرة التلوث الصناعي لتضر اديم الارض من جراء المياه التي تنساب من مغاسل الفسفاط منذ حوالي 100 سنة وساهمت في تلويث الطبقة المائية الجوفية مما ساهم في زيادة ملوحة المياه واضرت بالمشاريع الفلاحية والحيوانات انتظارات المواطن.. اغلب المواطنين الذين التقيناهم للسؤال عن انتظاراتهم اجمعوا على ان الانهيار الكامل للبنية التنموية تسببت في الاحتقان السائد بين ابناء الجهة وكذلك الاضطرابات التي تحدث من حين لآخر مردها البطالة المزمنة التي ترعرعت في ربوع المناجم والتي كانت وما زالت سببا رئيسيا في ارتفاع هجرة المراهقين والشبان الى ايطاليا بطرق غير شرعية كما اقترح البعض بعث مشاريع من قبل شركة فسفاط قفصة تكون رافدا من روافد التنمية مساهمة منها في القضاء على البطالة مشيرين الى ان خيرات المنطقة تمر امام الاعين ولا يستفيد منها أبناء المناجم...