آمال المثلوثي النجمة التونسية صاحبة الصوت الثائر والحضور المتميز، تلك الفنانة التي استبقت الأحداث وغنت للثورة التونسية التي كانت حلما قبل أن تصير واقعا، آمال المثلوثي التي تستطيع بحنجرتها الذهبية وكلمات أغانيها الهادفة وبتألقها على الركح أن "تجيّش" الآلاف من المستمعين تسير كالمارد على درب العالمية. وقد ضربت موعدا مع الجمهور يوم 28 جانفي الجاري بقاعة "لاسيغال" الفرنسية، القاعة التي تعتبر من المعالم التاريخية المهمة في فرنسا والتي تفتح أبوابها عادة أمام الفنانين الكبار والذين يحملون مشروعا فنيا كونيا يخاطبون من خلاله جمهورا اختار الموسيقى لغته تلك اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة لأنها تخاطب الروح والروح واحدة بين البشر. آمال المثلوثي ومنذ خطواتها الأولى في عالم الموسيقى أسرت قلوب الجماهير من الشباب الذين اكتشفوها أولا عبر "الواب" ثم صاروا يصطادون الأخبار حول حفلاتها ويتنقلون إلى القاعات والمسارح بأعداد كبيرة من أجل الاستماع إليها استطاعت أن تقتطع تذكرة العبور إلى قلوب الآلاف من الجماهير المختلفة ومن كل الأجيال بآدائها المتنوع وبكلماتها المنتقاة وبحضورها الأنيق. المطربة التي اختارت الغناء في محراب الحرية ومن الصعب على من يحضر إحدى حفلاتها أن لا يقع في سحر هذه البنت التي تختزل في شخصيتها جميع المتناقضات. فهي ذلك الملاك الناعم كلما ارتدت الثوب الأبيض الناصع وتسربت نسمات الهواء إلى شعرها المنسدل على الكتفين تحركه بلطف شديد وهي المرأة الحالمة كلما بثت نظراتها بين الجماهير ووزعت ابتساماتها عليهم تشكر حضورهم وتقاسمهم أسرار الأغنية متى كتبتها وكيف ولماذا وهي ذلك الصوت الهادر كلما ارتفعت حنجرتها تهتف للحرية وتهدد بزلزلة الأرض تحت أقدام من يجرؤ على تونس ويهددها في حريتها واستقلالها وانفتاحها على القيم الكونية وعلى إرسائها قيم الجمال والفن. آمال المثلوثي اختارت من القيم أجملها ومن المبادئ أرقاها. اختارت أن تغني للحرية. اختارت أن تكون تلك الحورية التي ترفرف متحررة من عبء القيود تحمل بين أجنحتها الأمل إلى الناس الذين يذوبون شوقا إلى معنى الحرية. وهكذا كان شأن التونسيين قبل أن يتحرّروا بفضل الثورة الشعبية. أنصتت آمال المثلوثي إلى نداء التونسيين وانضمت إليهم في شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرئيسي بالعاصمة في أحد أيام شهر جانفي من سنة 2011 أي في ذلك الشهر الساخن الذي توجت فيه الثورة بالانتصار على الديكتاتورية. غنت آمال المثلوثي "كلمتي حرة" في الشارع أمام هتاف الآلاف من الحناجر التي شجعتها على المزيد قائلة "غني آمال". واليوم وبعد عامين على الثورة التونسية تثبت آمال المثلوثي أنها في مستوى ما توقعه منها الجمهور وربما أكثر. فنانة تنحت شخصيتها الفنية من الصّخر، فنانة ملتزمة بالكلمة الحرة إلى حد الإيمان. بفرح كبير زفت لنا المطربة التونسية المقيمة في فرنسا خبر السهرة التي ستحييها بقاعة "لاسيغال". وإذ لا نشك في أن سهرة تقيمها فنانة تونسية في قاعة "لاسيغال" التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر والتي تعودت بأسماء ذات شهرة عالمية من شانها أن تضيف لآمال المثلوثي الكثير في مسيرتها المهنية فإننا نعتبر أن التتويج تونسي في نهاية الأمر. فقد تمكنت آمال المثلوثي من أن تكون احدى الواجهات الجميلة المعبّرة عن البلاد في زحمة الصور المظلمة وفي زحمة المشاهد القاتمة التي تريد أن تغيّر وجه تاريخ بلادنا والتي تريد أن تحبس نور الشمس عن تونس والتونسيين. فهي الفنانة الملتزمة المثقفة والمنفتحة على عيون الموسيقى التونسية والشرقية والمنتمية للعصر في آن واحد تمزج بينهما دون أن تضيع بين هذا وذاك. آمال المثلوثي تغني عن الماضي وتتغنى بالحاضر وهي ملتفتة للمستقبل وتقبل على الفن وعلى الحياة بعنفوان الشباب. إنها بمجرد أن تطل على الجمهور أو تصدح بأغنية من الأغاني التي كسبت بها شهرة واسعة على غرار "يا تونس يا مسكينة" حتى تهتف لها الجماهير مرددة اسمها. انتظروني في المسرح البلدي بتونس يوم 27 فيفري وتماما مثلما أعلنت عن السهرة الباريسية المنتظرة بحماس فإنها أعلنت عن سهرتها المنتظرة بتونس بنفس درجة الحماس أو أكثر. قالت انتظروني في المسرح البلدي بالعاصمة بتاريخ 27 فيفري المقبل. تقول آمال المثلوثي انتظروني بفرح وبحماس وبصدق لأنها مثل ذلك الطائر الذي مهما حلق بعيدا في الأجواء إلا وحنّ مجددا إلى عشه الأول والغناء بالنسبة لمثل هذه الفنانة التي تحرص على مقاسمة التونسيين كل اللحظات، لحظات الفرح ولحظات الحزن ولحظات الشك رغم وجودها أغلب الوقت خارج حدود البلاد، الغناء في تونس ضروري بالنسبة لها مثله مثل التنفس، به تجدّد طاقتها ومنه تستمد الشجاعة لمواصلة المشوار. تقدم آمال المثلوثي في جولتها الفنية التي تقودها إلى عدد من المدن الفرنسية إلى جانب العاصمة باريس وإلى بعض العواصم العربية من بينها القاهرة أغاني أغلبها من ألبومها الجديد "كلمتي حرة" الصادر عن "أرمونيا موندي" ومن بينها أغاني "يزي" و"ثنيّة طويلة" و"كلمتي حرة" و"يا تونس يا مسكينة" وغيرها وهي أغان كانت المطربة التونسية قد كتبتها قبل الثورة التونسية عبرت من خلالها عن التوق للحريّة ونادت بتخليص تونس من قيودها. وكعادتها تختار آمال المثلوثي مجموعة من الأغاني من التراث التونسي أو من "ريبارتوار" نجوم الأغنية الكبار في بلادنا أو نجوم الأغنية الملتزمة في الشرق على غرار الشيخ إمام لتؤديها بأسلوبها المميز هدية منها للجمهور الذي غالبا ما يطالبها بمثل هذه الأغاني إلى جانب مطالبته لها بأغانيها الخاصة التي يفاجئنا في كل مرة بحفظه للكلمات كاملة بل ويشارك المطربة آداء هذه الأغاني. صوت الياسمين ويبدو أن الألبوم الجديد "كلمتي حرة" يلاقي نجاحا على المستوى التجاري فقد بيع منه في فترة قصيرة 10 آلاف نسخة وتأمل آمال المثلوثي أن يلاقي الألبوم النجاح لدى الجمهور التونسي خاصة وأنه يضم مجموعة كبيرة من الأغاني التي يعرفها الجمهور وسبق وأن تفاعل معها في مختلف العروض التي قدمتها آمال المثلوثي في المسارح التونسية مع العلم وأن آمال المثلوثي قدمت عدة عروض في تونس خاصة في الأشهر الأولى التي تلت الثورة التونسية. ولعله لا بدّ من الإشارة إلى الحفاوة التي تحظى به آمال المثلوثي في الصحافة الفرنسية التي غالبا ما تطلق عليها صوت الياسمين. ويكفي أن نتأمل بعض الكلمات التي نجدها على الصفحة الرسمية لقاعة "لاسيغال" الباريسية لتقديم عرض آمال المثلوثي المنتظر حتى ندرك أن هذه الفنانة كونت لها شخصية مميزة ومستقلة جعلت قاعة مثل "لاسيغال" تفخر بتقديم آمال المثلوثي للجمهور بكلمات في هذا المعنى تقريبا: آمال المثلوثي هي تلك القوة الجارفة المغلفة في قطعة من المخمل وهي النعومة بعينها في خدمة القضية. الالتزام من أجل الحرية عرفته منذ الطفولة. لقد تسلل إلى أعماقها من الأغاني الثائرة العربية والأمريكية واللاتينية وذلك قبل أن تدعو الجمهور إلى الاستماع إلى هذه الفنانة التي تتغنى بتونس الأمس واليوم والغد. يرافق الفنانة في السهرة مجموعة من العازفين على الكمان والإيقاع والأورغ إلى جانب الكورال. آمال المثلوثي بدورها عازفة وآلة القيثارة تكاد لا تفارقها في مختلف عروضها. جولتها الفنية التي انطلقت منذ 14 جانفي بباريس تتواصل إلى غاية شهر جويلية 2013.