اصطدمت جهود الدعوة الى تشكيل الحكومة بالرفض من قبل جل الاحزاب الفاعلة على الساحة الوطنية ولم يبق هناك من مسعى الا التوجه الى عدد من الاشخاص الذين قبلوا الالتحاق بالحكومة تحت لافتة "الوطنية". ولم يجد هؤلاء من تبرير سواء منطق انقاذ البلاد وكان في التحاقهم بالخطط "الثورية" لمناصبهم الوزارية الجديدة اخراج لتونس من الاشكاليات السياسية والامنية والاقتصادية التي تعيشها منذ ما يزيد عن سنتين والحال ان التحاقهم هو اشبه ما يكون "بالهرولة" وراء سلطة يدرك من يلحق بالحكومة انها مناصب لا تعني شيئا في التحوير الوزاري بما ان مناصبهم الجديدة هي في الواقع مواقع غير فاعلة اصلا بما ان الاصل في التحوير بقي للحزب الحاكم بالاساس. "المتشعبطون" "فلا الليبراليون قبلوا ولا اليساريون قبلوا، ولا القوميون قبلوا ولا المعتدلون قبلوا، وحدهم "المتشعبطون " من ارتموا في احضان السلطة المزعومة". على حد تعبير احدهم. وفي الواقع حتى الشركاء السياسيين في الحكم أي التكتل والمؤتمر من اجل الجمهورية ذاقوا ضرعا بالممارسات التي اتتها حركة النهضة، فقد عبر القيادي بحزب المؤتمر الهادي بن عباس مثلا ان "عرض وزارات سيادة على الحزب الجمهوري من قبل النهضة بالحركة الغير انيقة ازاء شريكيها في الحكم " وهو ما يؤكد ايضا على سعي حركة النهضة بالبحث عن بدائل سياسية جديدة تلغي علاقاتها مع الشركاء السابقين. وهو ما عجل بالمؤتمر والتكتل بدورهما للبحث عن متنفس سياسي جديد من شانه ان يخرجها من دائرة الصبغة اللزامية في علاقتهما بالنهضة وهو امر يبرره وجود مشاورات للحزبين مع قوة سياسية جديدة من شانها ان تبدل المعادلة الحزبية قي تونس وهي التحالف الديمقراطي بهدف تكوين تحالف سياسي. وفي الواقع يمكن القول ان المؤتمر يسعى للخروج من تحت جلباب النهضة، فقد صرح رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي في حوار مع جريدة «الشرق الأوسط» مثلا ان " لولا حزبي المؤتمر والتكتل لما تمكنت حركة النهضة من تشكيل الحكومة" مضيفا في ذات السياق " ان لكل القوى السياسية اليوم منخرطيها في تونس والانتخابات المقبلة ستثبت ذلك". تحالفات جديدة يأتي هذا التحول ليؤكد ان واقع التحالفات التقليدية قد بدا يتفتت ليعوض تحالفات جديدة على اعتبار ان ما جمع التكتل والمؤتمر بالنهضة هو ادارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية الى حين صياغة الدستور والدعوة الى انتخابات جديدة بيد ان هذا الجزء من التفاهم وجد ما "يلغيه" مع تطور الاحداث وتكشير حركة النهضة عن انيابها من خلال التغلغل داخل الادارة التونسية مما ادى الى نتيجة عكسية وتحولها الى جزء كبير في الارتباك السياسي. ولعل ازمة سليانة اكبر دليل على ذلك. وامام كل ما تقدم ومع تشديد الخناق على حكومة الجبالي التي عجزت عن اقناع الاحزاب للالتحاق بها لم يبق امامها الا "دغدغة" بعض الشخصيات الوطنية ذات الميول الاسلامية او القريبة من تلك الدائرة فكان خبر التحاق الناطق الرسمي باسم التحالف الديمقراطي محمد القوماني بالحكومة في خطة وزير للتربية خلفا لعبد اللطيف عبيد. وقد لاق خبر التحاق " الوزير الجديد" استياء لدى ابناء التحالف الديمقراطي بما ان الحزب قرر عدم الالتحاق بالحكومة والتصويت على ذلك بالاغلبية في اجتماع الاحد الفارط غير ان رغبة القوماني في "اصعب وزارة " ورغبته في لمس المعنى الحقيقي للسلطة عجلت بخروجه عن الخط العام للتحالف وهو ما ادى استبعاده منه بعد ان رفض "معاليه" تقديم استقالته من التحالف. يذكر ان القوماني كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي وقد قدم استقالته من الحزب سنة 2008 بسبب السقف الاحتجاجي العالي للحزب وقتها. كما عرف الحزب الجمهوري استقالة فتحي التوزري من مكتبه السياسي وذلك بعد ان تلقى عرضا للالتحاق بديوان وزير الرياضة ككاتب دولة وقد قبل التوزري هذه العرض "السخي" دون تردد رغم رفض المكتب التنفيذي للجمهوري الالتحاق بالحكومة على قاعدة "الفتات التحويري" حيث اشترط الجمهوري ان توضع كل الوزارات على محك التحوير وانه لا معنى للتحوير دون الوزارات السيادية ان كان هناك نية الاصلاح الحقيقي وهو ما رفضته حركة النهضة في البداية لتتراجع فيما بعد عن موقفها الاول ودعت احمد الشابي الى تولي حقيبة الخارجية غير ان الجمهوري رفض العرض وأكد انه لا تغيير سياسيا دون تقييم.. وخال من عقلية المحاصصة الملغومة. ويذكر ايضا ان فتحي التوزري كان عضو المكتب السياسي لحزب الPDP وقدم سنة 2008 استقالته من الحزب ايضا بتعلة "شراسة الحزب وسقفه العالي في النضال ضد حكم بن علي". وفي سياق متصل اكد عضو المجلس الوطني التأسيسي والقيادي في التحالف الديمقراطي محمود البارودي امس أن آخر المعطيات تفيد أنه "سيتم تحييد وزارات السيادة بما في ذلك وزارتي الخارجية والعدل". ولعل من ابرز التساؤلات المطروحة: هل سيقبل الجبالي الحاق ذوات فردية لا يمثلون وزنا سياسيا رغم ان الدعوة كانت لبناء حكومة وحدة وطنية أي بمشاركة الاحزاب والكتل النيابية لا ان يخضع التحوير الى انتدابات على الملفات؟.