اعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة تأجيل الإعلان عن التحوير الوزاري الذي كان مقررا ليوم امس الى نهاية الأسبوع ، ليتواصل الجدل والمخاض الصعب ومسلسل « التشويق السياسي» على حد عبارة القيادي البارز في النهضة العجمي الوريمي. الجدل حول التحوير يذكرنا بالجدل حول تشكيل الحكومة والذي تواصل أكثر من شهرين ، وانتهى الى خيبة امل كبرى بعد اختيار اسماء اثبتت عجزها عن تقلد المهام الوزارية ، وتضخم عدد الحقائب وخاصة كتاب الدولة على حساب النجاعة والتقشف . الترويكا لم تستفد من أخطاء الماضي، فاستقبلت سنتها الثانية في الحكم بما يشبه الأزمة التي كادت تعصف بكيانها بعد إعلان التكتل والمؤتمر إمكانية انسحابهما، والتي تهدد بنسف صورتها امام الرأي العام، وفي صندوق الانتخاب .
رجة او مزيد من المغانم ؟
الخلاف حول التحوير وخلافا لما يذكر حزبا المؤتمر والتكتل ليس لأحداث رجة أو مراعاة للمصلحة للوطنية أو تحقيق الوفاق... بل الهدف الواضح هو تقليم أظافر النهضة، والحصول على غنائم أكبر في الحكومة، وتحديدا الحصول على وزارات هامة مثل وزارة العدل ومنحها لمحمد عبو الذي فشل في ملف الإصلاح الإداري، واعتبر الجميع رؤية حزبه لإصلاح القضاء مغامرة لا تحتمل البلاد عواقبها خاصة في ظل اقتراب ساعة العدالة الانتقالية .
الغنائم أيضاً تشمل الإطاحة بوزير مثل رفيق بن عبد السلام لإحراج صهره راشد الغنوشي وفتح الطريق امام الهادي بن عباس للسيطرة على مقاليد الوزارة كوزير معتمد ، بعد نجاحه في منع حركة النهضة من تعيين مرشحين في العواصم الحساسة وتحديدا واشنطن. الغنائم ليست الهدف فقط وإنما معاقبة.
النهضة على تفكيرها في الانفتاح على القوى الأخرى وتوسيع الائتلاف الحاكم. دون تقييم جدي لأداء وزراء الترويكا، أو طرح تصور عملي للنهوض بالعمل الحكومي. النهضة كانت جادة في مسعاها الانفتاحي وهو ما يفسره عرضها التنازل عن وزارتين سياديتين للحزب الجمهوري ،و قد تكون مجبرة الان على ان تدفع فاتورة باهظة ل: رفض إجراء تحوير جزئي في شهر مارس الماضي بعد اتضاح الفشل الذريع لبعض الوزراء، وتأجيل التحوير الذي توقعه الجميع بعد مؤتمر الحركة دون موجب أو مبرر.
رضوخه لرغبة حزب المؤتمر ورئيسه المرزوقي الذي رفض بشدة إعطاء الحصة الأكبر من الحكومة عند تشكيلها للكفاءات والاقتصار على بعض الوزارات السيادية. كثير من الدلائل تشير الى ان عديدالأحداث الماضية التي شغلت الساحة السياسية مثل استهداف وزير الخارجية رفيق عبد السلام، بقضية «الشيراتون غيت» والهجمة التي تعرض لها وزير العدل نورالدين البحيري من نواب المؤتمر في المجلس التأسيسي، والهجمة الشرسة التي دشنها كاتب الدولة للخارجية التوهامي العبدولي ضد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي باتهامه بتعطيل العمل الحكومي رغم انه لم يتجاوز الصلاحيات المخولة لرئيس الحزب الحاكم في أرقى الديمقراطية في رسم السياسات العامة ونقدها وتقييمها ، كان ذلك جزءا من خطة الإرباك وربما ما يصفه بعض الملاحظين بالابتزاز.
ضعف ومخاوف
حسب معطيات موثوقة حصلت عليها الشروق فان الخلاف ماتاه إصرار التكتل والمؤتمر الذين دفعهما ضعفهما، وشعورهما بتراجع مكانتهما الانتخابية الى التحالف ضد النهضة وخاصة بعد تلويح مونبليزير بالانفتاح على الحزب الجمهوري وتحديدا احمد نجيب الشابي الذي يعتبره مصطفى بن جعفر والمنصف المرزوقي، الطامحين لقصر قرطاج، منافسهما الأول في الانتخابات الرئاسية القادمة، على فرض الامر الواقع وإجبار النهضة على تنازلات « مؤلمة» وغير مبررة.
المؤتمر والتكتل فقدا كثيرا من نوابهما في المجلس الوطني التأسيسي ورغم ادراكهما لقدرة النهضة على ضمان أغلبية مريحة بالتحالف ظرفيا مع بعض الكتل الأخرى ، فقد اختارا سياسة الهروب للإمام ولكن دون الوقوع في المحظور أو الوصول الى الصدام والقطيعة.
التجربة بدأت مع رئيس الجمهورية الذي دفع حزبه للتصعيد على خلفية ما حدث عند تسليم البغدادي المحمودي، وتمت المطالبة بتغيير واسع وحكومة كفاءات، وهو أمر لم ترفضه النهضة ، مشترطة ان يشمل التحوير الرئاسات الثلاث فتراجع المؤتمر. نفس السيناريو تكرر الأسبوع الماضي بعد إعلان محمد بنور الناطق الرسمي باسم التكتل إمكانية الانسحاب من الترويكا. النهضة لم تمانع وأكدت أنها تحترم قراره ، ولكن بعد تسرب معطيات عن ان الانسحاب من الحكومة يعني ترك رئاسة التأسيسي، دفعت التكتل الى مراجعة حساباته.
المشكلة بوضوح هي ان الترويكا تعيش وضعا صعبا، بعد تحول الشراكة في الحكم من تجربة رائدة ثمّنها العالم، في التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين الى « محنة» حقيقية وصراع احرج الحكومة واضر كثيرا بمصداقيتها وثقة الناس فيها . ورغم ما أبدته النهضة من ليونة مع حليفيها في تحديد ملامح التحوير، أو بمسارعة رئيس الحركة راشد الغنوشي على الموافقة على دعوة رئيس الجمهورية لحوار وطني لا يستثني أحدا رغم « الفيتو» المرفوع من مؤسسات الحركة امام نداء تونس، فان طرفي الترويكا الآخرين مصران فيما يبدو على التصعيد وتعطيل التحوير.
السيناريوهات الممكنة
الخروج من عنق الزجاجة قد تكون له سيناريوهات عديدة منها : 1- ان تضطر حركة النهضة وهي الطرف الأقوى الى قلب الطاولة على شريكي الحكم في حال تواصلت وضعية الابتزاز الواضح لها لاضعافها واحراجها امام قواعدها التي بدأت في التململ من تواصل مسلسل التحوير، وهو ما يعني الخروج من الترويكا بتوسيعها أو بالتضحية بأحد الشريكين عبر «حسم» مسالة المرشح المفضل للانتخابات الرئاسية القادمة او استقطاب كفاءات جديدة على غرار الفتحي التوزري ( الذي استقال امس من الحزب الجمهوري) ومحمد القوماني (الذي استقال ايضا امس من التحالف الديمقراطي) والمنصف شيخ روحو الذي اكد ان وضع الاقتصاد يتحسن وهو صاحب الخبرة والكفاءة العالية في الميدان او رضا بن مصباح الرئيس المدير العام السابق لستاغ وعبد اللطيف حمام رئيس مركز النهوض بالصادرات اضافة الى البصيري بوعبدلي رجل التربية والتعليم الذي فوجئت أوساط عديدة بعدم تقلده منصبا وزاريا في حكومة الجبالي الاولى بالرغم مما عرف به الرجل من كفاءة وابتعاده عن منطق التجاذب السياسي.
2- ان يتغلب الوفاق بين مكونات الترويكا ويتم تحوير جزئي يمكن الحكومة من مواصلة مهامها الى غاية الانتخابات القادمة بعد اشهر قليلة.- ان تضطر النهضة بعد «فشلها» في استقطاب حليف قوي مثل الجمهوري الى الإذعان لمشيئة حليفيها، مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر على وزنها الانتخابي وقدرتها كحزب اغلبي على إدارة استحقاقات المرحلة القادمة.
مهما اختلفت السيناريوهات فالواضح ان النهضة حريصة على تواصل الترويكا وتجربة التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين، وان شريكيها يدركان ان خسائرهما بعد الخروج من الترويكا ستكون أكبر وان احتمال عودتهما للسلطة دون تحالف مع النهضة صعبة جداً ، وان القوى السياسية الأخرى تراهن على تحوير ضعيف أو انفجار الترويكا لإضعاف النهضة ولو على حساب المصلحة الوطنية. فهل يتغلب الوفاق ام ينتصر موقف الابتزاز ام يتواصل المأزق مع تواصل مسلسل التحوير الوزاري والتشويق السياسي في مرحلة تفترض حدا أدنى من الوعي بخطورة الانجرار وراء المزايدات والمناورات عوض معالجة الملفات الحارقة وإنقاذ الاقتصاد الوطني من الركود أو الانهيار؟ .
وهل يضطر الجبالي الى الإفصاح قريبا عما قال أنه مصارحة ضرورية للشعب عن حقيقة ما يجري في الكواليس وبعيدا عن أنظار الرأي العام من ابتزاز ورغبة في كسر العظام،
اشتراطات المؤتمر
- تعيين عدنان منصر وزيرا للتعليم العالي - تعيين الهادي بن عباس: وزيرا معتمدا لدى وزير الخارجية - تعيين محمد عبو: وزير العدل - تغيير وزير العدل نور الدين البحيري
اشتراطات التكتل
- الغاء خطة منسق عام للحكومة المرشح لها القيادي في النهضة ووزير الفلاحة الحالي محمد بن سالم. - تغيير وزيري العدل والخارجية. - التمسك بعبد اللطيف عبيد وزيرا للتربية على الرغم من أدائه الهزيل في الوزارة وتسببه في خسارة تونس لمنصب المدير العام للالكسو - تعيين التوهامي عبدولي كاتب الدولة الحالي للخارجية وزيرا للسياحة .