- ذكر كاتب المقال في الجزء الاول أن هؤلاء الذين يوهموننا أنهم بعدوانهم هذا إنّما يحاربون "الإرهاب" ويجتثّون حركات تهدّد الأمن والسلم، هم أنفسهم من زرعوها ودرّبوها وسلّحوها ويواصل: هذا ما يفسّرالإنزلاق فوق رمال" مالي" الحارقة أو تكبّد مغامرة الغرق في حمم "قوس الأزمات المجهول" كما توصّفه صحيفة "الأندبندنت، البريطانية، في افتتاحيتها، قوس مُمتدّ من باكستان فسورية فما أفرزه هذا الذي يسمّونه "ربيعا" وإن بتفاوت، فالخليج الذي يراوح بين النفخ في أوار نارالفتنة السنية-الشيعية حينا والتذمّرمن تنامي "الإسلام السياسي" حينا آخر. قوس أزمات تتوالد يولّي وجهته صوب نفق مظلم ..مجهول! أما عن "الإرهاب" فقد كان ولا يزال الفزّاعة التي يوظّفونها متى شاؤوا ويجيّشون الجيوش لمحاربته متى قرّروا. أي إرهاب هذا الذي يُصبح محمودا حين يخوض حروبهم بالوكالة فيعبّد الطريق لدبّاباتهم وأساطيلهم؟ أليس هذا "الإرهاب" الذي يدعمونه ويباركونه هوالذي يكاد يحوّل سورية اليوم إلى ركام وإلى "دولة فاشلة"؟ أليسوا هم من رعوه ووفّروا له سُبل التناسل، كالفطرالسام، يستثمرون فيه ويبتزّون به؟ هذا عن الإرهاب، فماذا عن الاستقرار الإقليمي؟ أليست الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلف شمال الأطلسي من أغرقوا ليبيا بالأسلحة، بل وتركوا عمدا مخازن العتاد للنّهب والسرقة دون رقيب أوحراسة وفّروها سريعا لآبارالنفط أياما قبل التدخّل، حتى بلغ بعضها تونسوالجزائرومصروغزة، بل ونيجيريا أيضا! ألم تعمد وزارة الدفاع الأمريكية إلى رصد ميزانية قُدّرت بحوالي 40 مليون دولارمن أجل شراء أو استرجاع صواريخ "ستينغر" الضائعة والتي بلغ عددها 20 ألفا، ولا تزال تشكّل كابوسا أمنيا؟ لماذا تعاموا، وهم من يملكون مضافا لكل أقمارهم وأساطيلهم ووكالات استخباراتهم، أسرابا من الطائرات دون طيار، المُعلن منها والمخفي، تتنصّت وتمسح وتراقب كل صغيرة وكبيرة، على ما لا يقلّ عن 250 سيارة مشحونة بالأسلحة خرجت من ليبيا وتوجّهت إلى شمال "مالي"؟ ذات الأسلحة التي شكّلت الإمداد العسكري الأكبرللمتمرّدين وللقاعدة وللمتطرّفين، ومن أوصلت منطقة شمال "مالي" إلى الحالة التي تبرّر الآن إصرارالأمريكيين والفرنسيين على العودة، في ظلّ التحلّل والتشظّي الأمني والكياني والسيادي الليبي والصومالي والمالي وتنامي قوة المارد الذي يستنسخونه بحسب أطلس الموارد ومصادرالطاقة، يوظّفونه متى شاؤوا، فزّاعة أو شمّاعة أوأداة أو ذريعة؟ أليس من سخرية القدرأنّ الأسلحة التي تكتوي بنارها قوات "فرانسوا هولاند" اليوم هي ذات الأسلحة التي بعث بها "ساركوزي" ذات "ربيع ليبي" إلى "ثوار" الزنتان في جبل نفوسة، فضلا عمّا نهب من مستودعات ليبيا بتواطؤ من قوات حلف شمال الأطلسي؟! صحيح أن "مالي" قد تشكّل ملاذا للقاعدة وللحركات المسلّحة لفترة وجيرة فقط"، وذلك لأن "تضاريسها تختلف عن تلك الجبلية الوعرة الموجودة في أفغانستان"، كما يتوقّع مارك شرودرمحلّل شؤون أفريقيا في مؤسسة ستراتفور،، للتوقّعات الاستراتيجية والأمنية، إلاّ أنّ التداعيات الخطيرة للتدخّل العسكري الخارجي، "ستؤجّج التوتّرات المحلّية وتترك ارتدادات دموية تنتشرإلى ما وراء حدود البلاد، مما قد يزيد من خطرامتداد الهجمات "الإرهابية" إلى دول أخرى"، وسيفرض تحدّيات جسيمة ليس فقط للولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل لكلّ الدول المجاورة". لعلّ هذا ما دفع بمديرالمجلس الأطلسي بواشنطن، المعني بأفريقيا، السيد بيتر فام، إلى اعتبارما يجري في مالي "شبيها إلى حد كبيربما كان يحدث في أفغانستان في الفترة التي سبقت هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولاياتالمتحدة، في ظل تدفّق تنظيم القاعدة وجماعات إسلامية أخرى من دول مجاورة إلى مالي". روبرت فيسك، هو الآخر، يوصي "بعدم المراهنة على نهاية سارّة "، حين يعتبر"أنّ الفرنسيين بغطرستهم التي تشبه غطرسة الأمريكيين والبريطانيين في حربهم العبثية على "الإرهاب" لم يفكّروا عندما أرسلوا جنودهم للقتال في "مالي"، "الصحراء- القبو" الجزائري الذي سيبتلع الفرنسيين والآخرين." ما أقدمت عليه المجموعة المرتبطة ب"تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، التي تطلق على نفسها إسم: "كتيبة "الموقّعون بالدم الإسلامية"، وهي تهاجم وتحتجز 41 غربيا، من بينهم أمريكيون وفرنسيون وبريطانيون ويابانيون، كرهائن في منشأة غازبمنطقة عين أمناس، جنوب شرق الجزائر، وتزنّربعض عناصرها بأحزمة ناسفة، ثم تلغيمهم المصنع، وتهديدهم بتفجيره، وإنزالهم العلم الجزائري واستبداله بعلمهم، بعد قيامهم بتجميع الرعايا الأجانب وتصويرهم مكبّلين، "انتقاما من الجزائرالتي فتحت أجواءها أمام الطيران الفرنسي"، كما ورد على لسان المتحدّث باسمهم، وما يردنا من أنباء إدارة الحكومة الجزائرية للأزمة واعتمادها نهج القوة لتحريرالرهائن دون التشاورمع دولهم، ثم وقوع ضحايا، كل ذلك ليس إلاّ بعض ما حذّرنا منه ولا نزال. إنها الشرارة الأولى لنارلو استعرت، لا قدّرالله، ستسري ليس في هشيم الجزائرفحسب، بل في كامل منطقة هي أكثر من يوم مضى واقفة على شفيرالهاوية! يا سادة! هل ينفع مع كل هذا غلق حدود؟ وهل ظلّ كافيا قرار رؤساء وزراء الجزائروليبياوتونس المتمخّض عن اجتماعهم المشترك في غدامس الليبية، والقاضي "بإقامة نقاط مراقبة مشتركة وتنسيق لدورياتهم على الحدود"؟! نرجو أن يتدارك صنّاع القراربالجزائر خطيئتهم قبل أن يسبق السيف العذل، كما نسأل المولى ألاّ يصدق المخطّط القيامي الذي يكشفه الكاتب والصديق، إسماعيل القاسمي الحسني، من خلال مقاله الأخيربالقدس العربي، تحت عنوان: "الشعب الجزائري أمام تحدي تقسيم الوطن والاحتلال الجديد"، رسم من خلاله سيناريوهات مفزعة، تنذر ب"تقسيم الجزائرعلى النحوالتالي: تدفّق النازحين من قبائل الطوارق من شمال مالي نحو جنوبالجزائرفرارا من الحرب بأعداد هائلة، لا يمكن بحال للجزائرأن تمنعها، فتفتعل أحداثا إرهابية في جنوبالجزائر، تتقاطع مع مظاهرات شعبية عارمة لسكان بعض عواصم محافظات الجنوب الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، فيكون ذلك ذريعة كافية لفرنسا ومن وراءها، لفرض استقلال إقليم الصحراء الجزائرية، تكون قد أعدّت له معارضة في أحضانها، واعتمدت كما جرت العادة مطالب شعبية شرعية يقابلها نظام دكتاتوري يمارس الظلم الاجتماعي بكل وجوهه. بهذا يكون العالم الغربي قد وضع يده على مخزون الطاقة (بترول-غاز) وغيرهما من الثروات والمعادن، واستبق أي تغييرقادم في الجزائر بحكم الضرورة لا محالة، ويبقي ورقة إقليم القبائل أو(الأمازيغ)، الذي تكونت حكومته المؤقتة في فرنسا وبتزكية منها منذ سنوات، إلى حين الحاجة إليه للضغط على الشعب الجزائري أكثر."، لقد حذّرت ومنذ مدة، الكاتبة المالية أمينة تراوري، من خلال نداء حمل عنوان: "لا لحرب الوكالة"، جاء فيه: "حقيقة رهيبة في الواقع الدراماتيكي المالي: توظيف وتجييرلمواضيع عدّة لتبريرالتدخّل الأجنبي في البلاد، بهدف الهيمنة على الثروات الهائلة التي تملكها."، فهل استجاب "صنّاع" القرار؟ كل شمال أفريقيا ومنطقة الساحل بات الآن مستهدفا بالحروب التفكيكية، والجزائرالمحاصرة بفوضى غير خلاّقة تعزّزبقرارها "الخطيئة" موقعها كهدف ضمن ما تبقّى من الأواني العربية المستطرقة، مسرحا ل"استراتيجية إسرائيل للثمانينات"، وثيقة تفتيت الأمة العربية. لقد تمّ تدميرالجيش العراقي وحُيّد الجيش المصري، ويُستنزف اليوم الجيش السوري، والجيش الجزائري الآن بعين العاصفة. القبول أو الرضوخ للقرارالفرنسي مهما كانت المبرّرات كان الخيارالخطيئة، خيارالمستجيرمن الرمضاء بالنار!! فهل يعقلون؟