عكس لقاء السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة أمس بالسيد حسين العباسي امين عام اتحاد العام التونسي للشغل وجود ارادة لتغليب منطق الحوار والتشاور من أجل ايجاد مخرج للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، بعد فشل "الترويكا" الحاكمة على خارطة طريق واضحة المعالم يتأسس عليها التحوير الوزاري.. في الواقع كان لا بد من تشريك جميع مكونات المجتمع الوطني، والقوى الوطنية السياسية في حوار وطني جامع وشامل لضمان انتقال ديمقراطي سليم، يجنب البلاد فخ السقوط في فوضى العنف ويقلص من تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي انتجت احتقانا اجتماعيا وغضبا شعبيا في تزايد مستمر على ضعف القدرة الشرائية للفئات الهشة، وتراكم البطالة وارتفاع الأسعار.. وإن في تشريك الاتحاد العام التونسي للشغل في المسألة الوطنية وخاصة في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد عنوانها أزمة التحوير الوزاري، اعترافا متأخرا لدور الاتحاد في تقمص دور الوسيط والحكم والمبادر إلى تقديم الحلول والسبل الأنجع للخروج من خندق الأزمات.. منذ صدور بيان مجلس شورى حركة النهضة والأحداث تتوالى وتتوالد ولا تبشر بخير. فرغم التسابق على عقد الاجتماعات الضيقة والموسعة، والإعلان عن نوايا توسيع المشاورات السياسية من أجل حكومة يشارك فيها عددا أكبر من الطيف السياسي في البلاد، إلا أن نتائج الحراك السياسي لم تكن في مستوى الانتظارات..وبدت أشبه بحوار سفسطائي بين النخب السياسية، كل يريد أن يفرض وجههة نظره دون أن يعمل على فهم وجهة نظر الآخر ويسعى إلى التنازل من اجل الوفاق.. والنتيجة أن الراي العام الوطني أصبح يتخوف من فراغ سياسي على ضوء فشل حركة النهضة وشركائها في التوصل إلى صيغة لتحوير وزاري يحقق الصدمة الايجابية للمواطن قبل السياسي، ويبعث رسائل طمأنة لشركاء تونس في الخارج قبل الداخل..فراغ سياسي قد تستغله بعض النفوس المريضة أو التيارات المتطرفة او الاجرامية إلى فعل ما تريد وقد تعبث بأمن العباد، وأملاك الناس، وجهل البعض منهم خاصة أمام حالة الانتظار والصمت الرهيبة لركب التحوير الوزاري الذي لم يصل بعد.. ففي الوقت الذي كان الراي العام الوطني ينتظر بشغف تفاصيل الحلقة الأخيرة المثيرة من المسلسل التراجيدي "التحوير الوزاري"، وفي وقت اشرأبت فيه الأعناق وتوقف نبض القلوب، وتركزت الأبصار على ما سيفضي اليه اجتماع مجلس شورى حركة النهضة الذي انعقد اواخر الأسبوع الماضي ليحسم في مسائل خلافية بدت عويصة فقط على الأطراف السياسية المشاركة في مفاوضات التحوير الوزاري المنتظر وتصيوب سياسة الحكومة.. طلع علينا مجلس الشورى ببيان لم يرو ظمأ الناس والمتابعين للشأن السياسي الوطني والمتعطشين لنهاية هذا المسلسل المزعج، والإعلان عن توافق وطني منشود ينقذ البلاد من مهب الصراعات السياسية والتجاذبات.. مما زاد الطين بلة والأمل تشاؤما، تصريحات شركاء الائتلاف الحكومي قبل غيرهم من السياسيين، التي لم يعجبها على ما يبدو فحوى بيان حركة النهضة، الذي أعاد سيرورة المفاوضات السياسية -التي خلناها بلغت نهاية الطريق- إلى المربع الأول. وكانت معظم ردود أفعال الرموز السياسية الفاعلة في التتروكا مخيبة للآمال، بعد ان عكست منذ يومين الأنباء الواردة عن تفاصيل مناقشات التحوير الوزاري ضبابية وغموض بشأن قرب نهاية المسلسل، وتواترت تباعا طيلة النهار مؤشرات سلبية لا تنبئ بخير، فحزب التكتل يهدد بالانسحاب،..ومجلس شورى النهضة يؤكد في بيانه تمسكه ضمنيا بوزارات السيادة، في الوقت نفسه تمسك بشركائه السياسيين الحاليين، ويعلن فيه عن اعطائه الضوء الأخضر لحمادي الجبالي لمواصلة المفاوضات مع الشركاء من داخل الترويكا، والشركاء الجدد المحتملين من خارج الائتلاف، أما رموز حزب المؤتمر فقد عكست تصريحاتهم خيبة أمل واسعة وانتقدت بشدة بيان حليفها حركة النهضة، وقرر المجلس الوطني للحزب المنعقد يوم السبت الماضي اعطاء مهلة لأسبوع لحركة النهضة قبل الانسحاب من الحكومة في صورة عدم التوافق على المبادئ العامة للمرحلة السياسية المقبلة من وجهة نظر المؤتمر. كل ذلك، مع تسارع الاتصالات والمشاورات والتي بدأ نسقها جنونيا وسريعا، وتعددت الاجتماعات الماراطونية في محاولة من زعماء الترويكا لاحتواء الموقف السياسي الغامض واعادة وضع قطار التفاوض على السكة من جديد، وانقاذ "الترويكا" من الاضمحلال والتفكك.. كل المؤشرات تشير إلى تواصل الأزمة السياسية، وتؤكد وجود خطر حقيقي يحدق بالبلاد في صورة تواصل الجدل العقيم بين شركاء الائتلاف الحكومي من جهة، وحتى مع الفرقاء السياسيين المرشحين للدخول في الحكومة..لكن المخرج الوحيد هو الحوار الوطني دون اقصاء ولا شيء غيره.